أشهر ما قدمه الشاعر الأندلسي لسان الدين بن الخطيب موشحته الذائعة الصيت التي كانت مقررة على تلاميذ المرحلة الوسطى، والمعروفة باسم (جادك الغيث) التي يقول في مطلعها :- جادك الغيث إذ الغيث همى يا زمان الوصل بالأندلس لم يكن وصلك إلا حلماً في الكرى أو خلسة المختلس إذ يقود الدهر أشتات المنى ينقل الخطو على ما يرسم وبالأمس تداعت أبيات هذا الموشح العظيم إلى ذاكرتي وأنا أقف عند قرية (طيبة) القريبة من مدينة (الدبيبات) مدخل ولاية جنوب كردفان من الشمال، إذ كنتُ ألبي دعوة كريمة من مولانا أحمد هارون والي الولاية يسرت لي أن أزور مدينة (الأبيض) الجميلة زيارة خاطفة ومنها إلى (الدبيبات) ثم (طيبة)، لأقف شاهداً مع الآلاف على ضربة البداية لتدشين طريق (الدبيبات، أبوزبد، الفولة) البالغ طوله (185) كيلومتر، وتملكه مثل كل الطرق في السودان الهيئة القومية للطرق والجسور، وتنفذه إحدى الشركات الصينية، وتبلغ تكلفته مئة مليون دولار أمريكي مولتها وزارة المالية والاقتصاد الوطني من القرض الصيني البالغ مليار دولار أمريكي، خصت وزارة المالية ولاية جنوب كردفان بثلثه تقريباً لإنشاء الطرق (شرقاً وغرباً) وتنفيذ إحدى أكبر محطات الكهرباء بالسودان بطاقة (450) ميغاوات. الدكتور عوض الجاز كان نجم التدشين، ومولانا أحمد هرون كذلك، والدكتور الفاتح محمد علي، وأبناء الولاية (أجمعون) الذين في المركز، أو داخل الولاية في المدن، والقرى، والأودية، والجبال، والكراكر، وكان أسعد الناس بالذي يجري أمامهم أهالي مناطق قرية طيبة التي ينطلق منها الطريق الجديد، ومناقو، والدبكر، وأبوزبد، والسنوط، والفولة، لأن الطريق يمر بكل هذه المناطق التي كان الوصل بينها حلماً مات الأجداد والآباء ولم يتحقق.. وها هم الأبناء يشهدون تحويل الحلم إلى واقع.. والخيال إلى حقيقة. خطاب الجاز وخطابات الوالي أحمد هارون وكل الخطباء، لم تكن أحاديث سياسية جوفاء، لقد كانت أحاديث ساسة وتنفيذيين ارتبط عندهم تطلع المواطنين بخيط (الأمل) الذي قوي ب (العمل) وقامت بالأمس الأمنيات تمشي بين الناس على الآليات الضخمة التي اختطت طريق التنمية. أذكر أن طريق (الدبيبات، الدلنج، كادوقلي).. افتتح في عهد الرئيس نميري عام 1976م - إن لم تخني الذاكرة - ولم تكن (الدبيبات) نفسها ترتبط بمدينة (الأبيض) إلا عن طريق شارع ترابي غير مسفلت، وكان يخدم مستخدمي القطارات التي تمر بالدبيبات، وتعرفت على ذلك الطريق لأول مرة أوائل الثمانينات إذ كنت مسؤولاً عن تغطية دوائر الخدمات في صحيفة (الأيام) وقتها، ومن بينها وزارة النقل والمواصلات التي كان يجلس في قمة هرمها اللواء مصطفى عثمان حسن (مصطفى جيش) رحمه الله، وكان في رحلة تفقدية للطرق الشحيحة والقليلة في السودان، وعرفت وقتها أن مناطق كثيرة في بلادنا هي جنة يصعب الوصول إليها.. بالأمس ضحك الزمان وابتسم في ظل أزمة اقتصادية عالمية ضربت أركان الدنيا الأربعة وهزّت وسطها، ولكن مع ذلك كانت هناك انفراجة معنوية عظيمة وهائلة في نفوس أبناء جنوب كردفان، وغربها، بل في كل ربوعها العامرة.