أصدر السيد عمر البشير رئيس الجمهورية قراراً بإعفاء المشير عمر البشير القائد العام للقوات المسلحة وإحالته للتقاعد، بعد أكثر من عشرين عاما قضاها في هذا الموقع، وأول سوداني تولى منصب القائد العام للجيش هو الفريق «أحمد باشا محمد »وعند بلوغه سن المعاش أحيل للتقاعد وحل محله صهره الفريق «إبراهيم عبود» الذي كان هو الآخر يتهيأ للتقاعد بالمعاش وكان يفكر في إقامة متجر لبيع الدراجات يكسب منه عيشه ويعيش شيخوخة هانئة هادئة ،ولكن عملية التسليم والتسلم التي أملتها الضرورة القصوى أدت لاستمراره في موقعه لمدة ستة أعوام تولى فيها رئاسة المجلس الأعلى للقوات المسلحة ورئاسة الحكومة. وقد تسلَّم عددٌ من الجنرالات المتقاعدين ذروة السلطة وكانوا رؤساء في بلادهم ،أذكر منهم على سبيل المثال الجنرال «آيزنهاور» الذي تولى الرئاسة في الولاياتالمتحدةالأمريكية لدورتين رئاسيتين في الفترة الممتدة بين عامي 1952-1960 وتولى الجنرال المتقاعد «شارل ديجول »رئاسة الجمهورية في فرنسا في الفترة بين عامي 1958-1968م وفي نيجيريا تنازل الجنرال «أوباسانجو» الحاكم العسكري لنيجيريا بمحض اختياره عن السلطة ليمهد لقيام نظام مدني وقد خلفه بالانتخاب الحر المباشر« شيخو شقاري»وبعد سنوات تطاول أمدها ترشح أوباسانجو بصفته الحزبية والمدنية وفاز وتولى رئاسة الجمهورية في نيجيريا وقضى في سدة الحكم وبالانتخاب الحر الدورات التي يتيحها له الدستور كحد أقصى. وفي مصر خلع الرئيس« جمال عبدالناصر» البزة العسكرية رغم أنه أتى عن طريق انقلاب عسكري خطط له ونفذه الضباط الأحرار، وكان المشير «عبدالحكيم عامر» هو القائد العام للجيش قبل نكسة أو بالأحرى هزيمة يونيو في عام 1967، وكان عبدالناصر يسكن في منشية البكري بعيداً عن ثكنات الجيش ،وكذلك خلع الرئيسان السادات ومبارك البزة العسكرية وحكما كمدنيين رغم خلفيتهما العسكرية وفي عهديهما تعاقب عدد من كبار الضباط على موقع القائد العام للجيش. والمعروف أن رأس الدولة في أي قطر من أقطار الدنيا هو القائد الأعلى للقوات المسحلة بحكم موقعه الرئاسي ورمزيته السيادية، ويستوي في ذلك الحكام العسكريون والحكام المدنيون سواء كان الحكم ملكياً أو جمهورياً، وعلى سبيل المثال فإن الملكة «اليزابيث» رغم أنها تملك في المملكة المتحدة ولا تحكم إلا أن العرف كفل لها الحق في التوقيع على الدخول في حرب «الفوكلاند» وكان لها أيضاً حق التوقيع عند إنهاء تلك الحرب . وكان السيد «إسماعيل الأزهري »رئيس مجلس السيادة في النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي هو القائد الأعلى للقوات المسلحة بحكم أنه رأس الدولة ،وكذلك كان السيد «أحمد الميرغني» هو رئيس مجلس رأس الدولة في النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي وتبعاً لذلك كان هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهذا يعني أن القائد الأعلى ليس بالضرورة أن يكون عسكرياً وهو ليس مطالب بأن يسكن وسط الثكنات العسكرية لأنه ليس ضابطاً عاملاً في القوات المسلحة، وفي أي بقعة من بقاع الدنيا إذا نشب نزاع مسلح بين دولة وأخرى فإن إعلان الحرب أو إيقافها هو في المقام الأول والأخير قرار سياسي وسيادي يصدره القائد الأعلى بوصفه رأساً للدولة ويمكن أن يبلِّغه رأساً للقائد العام كأوامر للتنفيذ أو يمكن أن يبلغه عبر القناة التنفيذية التي يمثلها وزير الدفاع وهو الآخر ليس بالضرورة أن يكون عسكرياً. إن قرار السيد رئيس الجمهورية بإحالة القائد العام للقوات المسلحة للتقاعد هو قرار صائب يُشكر عليه وقد وضع الأمور في نصابها وأزال وضعاً استثنائياً غير طبيعي بالجمع بين موقع القائد العام وتولى رئاسة أحد الأحزاب في ظل تعددية حزبية،وبالطبع العدالة لا تتجزأ ولا يمكن استثناء حزب ليتمتع بميزات ظل الآخرون محرومين منها بنص الدستور الذي ينبغي ألا يفرق بين هذا وذاك، وإننا نحترم السيد رئيس الجمهوية في شخصه الكريم وسيظل موضع احترامنا وتقديرنا وهو بشخصيته الاعتبارية الرسمية يعتبر رمز السيادة لهذا الوطن.