من الأخبار التي تستوجب الكثير من الحذر عند نشرها أخبار الجريمة والتي غالباً ما يكون مردودها عكسياً ما لم يحسن عرضها ويتوخى فيها الحيطة والحذر وتغليب المصلحة العامة.. ومراعاة آثار الجريمة ابتداءً من كافة أبعادها.. قبل المسارعة بالنشر التي تضر بجوانب متعددة أولها المضرر من الجريمة وسمعته، وما يلحقه وذويه وأسرته بل وعشيرته من رشاش.. وثانيها مصلحة التحري والكشف عن الجناة، وغالباً ما يضر النشر في هذه الناحية، بل قد يميط اللثام عن نقاط تعين المجرم على الفرار والاختفاء والبحث عن مخارج وتبريرات، وثالثها مصلحة المجتمع العامة وما يتسبب فيه النشر التجاري الرخيص من هلع وزعزعة للاستقرار وإشاعة للرعب وتصوير للموقف بغير صورته الحقيقية، الأمر الرابع الإخلال بصورة الأمن العام في الدولة وصورة مجتمعها الداخلي أمام الخارج بتصوير الجريمة، كأنما هي ظاهرة - كما حدث منذ مدة عن المبالغة والترويج لبعض جرائم الاعتداء على الأطفال والقُصر- وتصويرها كما لو كانت وباءً قومياً وسمة مميزة للمجتمع- بينما الواقع خلاف ذلك كثيراً.. بل الظاهرة على حدوثها شاذة وليست منتشرة كأمر تحرض عليه الصحف الصفراء وباعة الأخبار الرخيصة المتيسرة، الذين يكتبون (مانشيتاً) أو عنواناً ضخماً ومهرجاً... بينما الخبر ناقص لا يتجاوز ثلاثة سطور ولا يتم عن الإثارة التي افتعلتها المحررة، والأسلوب الفج الذي تتبعه الصحيفة، وللأسف فقد أصبحت هذه هي السمة البارزة للصحف الصفراء التي صدقت أساساً كصحف أجتماعية، فأصبحت تنشر حثالات وقاذورات المجتمع بل تروج الخبر الرخيص والمثير للفوضى والهلع، فتجزأه على يومين أو ثلاثة كأن تنشر العنوان فقط- ونقول للقارئ المسكين- الذي لا يجد من يحميه منهم، تابع معنا غداً تفاصيل هذا الخبر.. ثم يأتي الغد.. فلا خبر ولا يحزنون بل تخرصات وترهات يشار إليها بالأحرف الأولى.. الأمثلة لا تحصى عن مثل هذا النوع من الصحف، وللأسف فإن الكثيرين من المسؤولين والمثقفين وذوي الشأن لا يلتفتون إليها رغم خطورتها البالغة، وينظرون إليها باستهانة ويستغلون بالصحافة السياسية والخبر السياسي، بينما هذه الصحف أخطر من جميع هؤلاء على قواعد المجتمع وتدخل دورهم جميعاً من الأبواب الخلفية.. وتنفد منذ الساعات الأولى، وبينما هم مشغولون في ساس.. يسوس.. تكون هي قد تسللت إلى غرف نومهم ومخادع أطفالهم فأفسدت مزاجهم طوال اليوم وعكرت صفو بيوتاتهم بما تنشره من غثاء كان آباء الصحافة يتحرجون من نشره- ولا يسمحون به إلا عبر محررهم المتخصص بأخبار الجريمة.. والتي لا يتجاوز مكانها الصفحة السابعة ( وقد كانت) الصفحة قبل الأخيرة في صحف وجرائد الماضي وتنشر الجزء الذي يستحق ويحقق الفائدة العلمية المدروسة من النشر وعبر محررهم ومندوبهم القضائي ولدى دوائر الشرطة بالتباحث والتعاون معها. ما تقوم به بعض صحف الإثارة الصفراء مخيف في نشر الجريمة.. لا نشر أخبارها، وفي تفتيت علائق المجتمع.. مما يحتاج منا إلى وقفة.. ولأن هذا الأمر في تقديري غدا مخيفاً وضاراً.. فلابد لنا من عودة للطرق على هذا الحديد.. البارد..