اتجهت وزارة الداخلية لدراسة أسباب العنف المصاحب للانتخابات لإعداد نفسها لخطورة تفشي العنف في السودان خلال الانتخابات القادمة، لكن الداخلية قبل أن تدرس احتمالات تنامي العنف أثناء فترة الانتخابات مطالبة بدراسة الأسباب التي أدت لتفشي العنف في الأوساط الطلابية، بعد أن أصبحت لغة الخطاب في الجامعات السودانية السكاكين والعصي والمسدسات، وما بين العنف الموجه للطالبات لأسباب عاطفية والعنف الموجه من قبل الطلاب لبعضهم البعض لأسباب سياسية، فإن ساحات الجامعات أضحت مصدر خوف ورعب حقيقي يغيب فيه العقل وتسود فيه ثقافة الاقصاء المتبادل من مستوي الفعل حتى الوجود.. طلاب الجامعات يدخلون قاعات الدرس بالمطاوي والسكاكين بعد أن عجز العقل الطلابي تماماً عن إدارة الخلافات الفكرية والسياسية ولجأ للعنف والقتل ومحاولات إسكات الآخرين وتخويفهم، كأننا أمة تتقهقر كل يوم للوراء ،وشعب يلعق جراحات الفشل وإدمان الصراعات!!. هل لتفشي العنف في أوساط الطلاب علاقة بالاحتقانات في المجتمع من حرب في دارفور أحدثت شروخاً عميقة في وجدان الناس وقطيعة نفسية غذتها مرارات الحرب والصراعات؟ أم للعنف صلة بما يجري في الجامعات نفسها من تدنٍ مريع في أدب الحوار بين المختلفين فكرياً وسياسياً، وقد أخذ العنف يتمدد حتى في الأسواق والمواصلات العامة والطرق، وقد ارتفعت نسبة بلاغات المشاجرات والتعدي على الآخرين، وما عاد حتى الأحياء من الشباب يعاتبون الحبيبة التي صدت عن حبيبها بكلمات عتاب وأبيات شعر من الياسمين، إنما (يستلون) السكاكين ويغرزونها في أحشاء بريئة لم تشرع في قتل من كانت تحب.. أين تعابير الوفاء التي لونت حياة السودانيين بعبير الشجن، والحبيب يجزم بأنه لو أحب حبيبه طول عمره يشعر بأن ذلك لا يكفي، ومن باع العمر عشان محبوبته وباقي العمر سجله في دفتر ديون الحبيب؟ وأين المنديل وزهرة السوسن في عالم العشاق، وأين الخلافات الفكرية التي كانت تجمع بين محمد المكي إبراهيم وعلي عثمان محمد طه، وكيف كان شاعر مثل علي عبد القيوم يداعب الإسلاميين في مقهى الجامعة، ويمضي نصف ليله مع كامل عبد الماجد والنصف الآخر مع عبد الله حمدنا الله. ضرب الجفاف الفكري والتصحر الثقافي الجامعات وأختفت معارض الكتاب والأسابيع الثقافة، ودعوة الجامعات لأدباء مصر والعراق، ومثقفي لبنان والمغرب، وحل مكانها مطربون يرددون أغنيات البنات بلا خجل أو حياء، فكيف لا تموت الأزهار في هذا المناخ الصحراوي الجاف طول العام وكيف لا تصبح السكاكين والمطاوي والعصيى والسيخ أدوات الحوار وسط الطلاب وهم لا يقرأون ولا يكتبون ويمارسون الحب على طريقة الكولميين!!.