إذا قلنا يوماً: يا شباب الحمى قد جاء دوركم تقدموا واحملوا في الموكب العلما ذودوا عن الوطن الغالي وحرمته وجنبوه الردى والكيد والنقما ثم قلنا: كونوا جنوداً فللجندي حرمته ولا تجعلوا الكراسي بينكم قيما ثم قلنا: شباب لم تحطمه الليالي ولم يسلم إلى الخصم العرينا ولم تشهدهم الأقداح يوماً وقد ملأوا نواديهم مجوناً ثم قلنا: ومن لم يزد عن حوضه بسلاحه يهدم ومن لا يتقى الشتم يشتم والوطن هو الساحة والباحة والمورد العذب وهو منشأ الصبا... وهو الموقع الذي خلده الشاعر بقوله المتفرد: وكم منزل في الأرض يقطنه الفتى وحنينه أبداً لأول منزل حتى فاض به الحنين الدافق فقال آخر: جبل التوباد حياك الحيا وسقى الله صبانا ورعى فيك ناغينا الهوى في مهده ورضعناه فكنت المرضعا ومن منكم لم يزل ينظر لملعبه وملهاه عند الصغر ورفاقه وأنداده الصغار متمثلاً بقول الشاعر حين يقول: لم تزل ليلى بعيني طفلة لم تزد عن أمس إلا أصبعا هذا الوطن الذي تحملونه في الأحداق ولا تذرون أُنملة صغيرة تهوي منه أو تضيع.. فقد صارت -أيها الشباب الأشاوس- تهاتفنا أركان الوطن تتساءل عن «الذئاب» التي أقلقت المضاجع وأخافت الصبيان.. حتى تحزمت النساء بخمرهن وصرن يتصدين للوحوث عند الأبواب وعند الأزقة.. عندما بقرت بطون صباياهن وبناتهن وشرخت رؤوس أخريات صغيرات.. وتكدرت أرجل البغال والحمير والعجول والسخلان وتبجحت «المرافعين».. فرددنا نحن على الهواتف: أصبروا سيقضي على الذئاب والوحوش الطارئة سيقضي عليها الشباب والحادبون.. فاسترسلوا هم ذاكرين أن القنوات والمشاهد المرئية تقول إن مدن وأحياء العاصمة المثلثة أضحت مسرحاً ومرتعاً لهذه الهوام.. وإننا في الولايات القريبة والبعيدة نخشى أن تجتاحنا ذئابكم و « مرافيعنكم» ووحوشكم.. لأن الرياح تأتينا من قبلكم.. فقلت لهم هذا الذي تسمعون وتشاهدون على «الشاشات» أو تقرأون إنما هو سعى بالخبر وترويج لطورائ تداهمنا من حين لآخر.. وهي من الشدائد والمحاذير التي تثير الهمة والشكيمة.. وتيقظ الغافلين وتربط الأذرع ببعضها.. لمقابلة المستجدات وهذه واحدة منها ونقول لكم أيها السامعون والمشاهدون والمشفقون.. إنها إحدى «ثلاث» مقولات شائعة.. بيننا بالخرطوم.. وظاهرة الكواسر هذه «أي الذئاب المتوحشة» -أولاها -إن هذه الحيوانات المتوحشة هي نتاج بهجين بين حيوانات في مزرعة.. لتأتي بفصيل بين ذلك.. عسى أن يكون ملفتاً يعجب ويفيد في بعض الأمور.. فلما «ثقلت» وأعيت تكاليف هذه التربية.. فتحت حظائر المزرعة فانتشرت وحوشها.. و «ثانية» المقولات: إن المعادن النفيسة التي جذبت البدو والحضر من سكان السودان إلى تلال وبقاع ولاية نهر النيل.. أذعرت وأخافت هذه الوحوش داخل مخابئها ومكامنها.. فتحركت ليلاً وخلسة مبتعدة عن مخاطر «الرماة» و «باعة» الذهب والنحاس. فكانت هذه الوحوش- كما قالوا- تتخطى كل الصعاب والفجاج حتى دخلت «بحري» عبر الجيلي والقراري ودبك.. ثم انتشرت كأنها الكلاب الضالة وليست بكلاب.. و «ثالثها» أن فئة مجازفة شاهدت «فلماً» أو «مسلسلاً» أجنبياً عبر إحدى الفضائيات.. يعرض في بعض فصوله أن أهل قرية استخفوا بأخرى وآذوهم فأراد أُولئك أن يردوا عليهم الصاع صاعين.. فسعوا لتربية وحوش كأسرة كثيرة.. وبعد هدوء محسوب أطلقوها خلسة عليهم.. ففعلت بهم الأفاعيل.. هم وكلابهم الداجنة ودوابهم وأضرت بمكنوناتهم فكانت كيداً مدبراً مقيتاً.. فقال الرواة إن فريقاً سعى هذا المسعى.. وأراد أن يهزل ويهزأ ويكيد للبلد الطيب.. حتى يزيد به الجراح.. و «الأخرى» أنها ذئاب ضاقت بها الحياة وانتشار الإنسان حولها.. على التلال والجبال والوهاد.. فاضطربت وجفلت.. فلم تجد منعرجاً أو مخرجاً إلا أزقة والتواءات المدينة القريبة فكانت الخرطوم المثلثة هي المأوى لها والأمل و «نشر الذعر».. فصارت هذه الذئاب إحدى النوازل التي تطرأ على العاصمة من حين لآخر.. فكأنها - قريباً- عاصفة «الثمانينات» حتى قلنا عنها- يومها- بجريدة «الأيام» «444» رهينة بامتداد شمبات.. وكأنها فيضانات «1988م» حتى تصدى لها معتمد العاصمة - وقتها- لواء الفاتح عبدون ففتح «بسريته المدججة» جدولاً من «الدروشاب» عابراً «الإزيرقاب» ليصب في عرض النيل.. وكأنها «أي جائحة الذئاب» كأنها أطروحات: « انفلونزا الخنازير أو الطيور» وغيرها.. فهذه إذن واحدة من تلكم الغاشيات.. لكننا نقول أين «شبابنا» الواعد.. طالما أن أمر هذه الذئاب قد صار «نازلة» تخيف الآمنات والآمنين.. وإذا أضحت مراكز الشرطة وخاصة «بسط الأمن» التي ابتدرها الأخ الفريق عبد الرحيم محمد حسين وزير الداخلية يومئذ فنقول الآن وفي هذه اللحظات المحرجة.. نقول: فليشكل الشباب في كل «حي» وفي كل « قرية» وفي كل «منحنى» فليشكلوا مرتكزات ودوريات وأخبئة متعاقبة.. ترصد وتشد من أزر دوريات الطورائ والشرطة وتضاف لنباهة المواطن الرقيب للموقف.. وتمايز بين الذئاب وكلابنا الأليفة «العاوية» فتقضي على هذه الظاهرة .. اليوم وليس غداً فهيا يا شباب الحمى قد جاء دوركم.. ولا تتركوا أمهاتكم وأخواتكم هن اللائي يتصدين للجائحات.. وغداً ستسمعون!.