لكل ربح ضريبة وإن اختلفت أحجام وأشكال جيوب متعاطيها.... فضريبة النجاح المذاكرة.. وضريبة الكسب العناء والتعب...لكن على الرغم من التسليم بذلك إلا أن الأحلام قد تمنح هذا أو ذاك ربحا دون تعب ... وبعض تلك الأحلام قد يتحول إلى واقع مثل ما حدث من هجرات إلى الشمال للصغير والكبير والنساء والرجال بحثا عن ذهب نهر النيل... وبدأ الرواة يتناقلون حكايات النجاح من غير تعب... وأخبار كيلوات الذهب التي غنمها أبطال الروايات تسيل يوما بعد آخر لعاب هذا وذاك...أحاديث الذهب ذهبت بمدخرات البسطاء ومصادر أرزاقهم وقبلها زعزعت قناعاتهم واستقرارهم ... فقدوا المأوى وساحوا في خلاء تحول إلى مدينة لا تفقد من مظاهر الحضر سوى عدم ملاءمتها لوجود الآدميين ... مصير المهاجرين إلى الذهب بات لا يختلف كثيرا عن مصير جنوب السودان حتى الآن ... (فلا إلى هؤلاء ولا إلى أولئك)... قبيل الاستفتاء يعاني الجنوب تناقض الإرهاصات والتكهنات ويبدو متأرجحا بين خيارين كالراغب في «لقيّة» ذهب .. باع ما يملك .. وسيارة كان يعيل من دخلها أهله.. فبات يعيش على أمل الفوز بالكنز متغافلا عن احتمال فشله وعودته حاسر الرأس بخفي حنين. سئل سيدنا عبدالله بن عباس لماذا يسكن الطائف ولا يقيم في مكة وفي مكة أجر الصلاة بمائة ألف صلاة فقال رضي الله عنه لسائليه: من قال لكم إني أريد الجنة أنا أخاف من النار فالسيئة في مكة بمائة ألف سيئة. ملأ الشباب المهاجرون إلى الذهب العتمور وغطوا هناك، بحسب الروايات، عين الشمس... وحلوا في دار كانت تسكنها حسب إحدى الشائعات الكلاب المتوحشة التي ما كانت لها أن تهاجم وتثير هلع سكان الخرطوم لولا ترويعها في خلائها الآمن الذي كان قبل أن يدخله الغزاة من أحباب الذهب.. بيئتها التي تعرف فيها أين تنام وماذا تأكل ... لكنها بعد أن اضطرت لدخول المدينة وهي تعاني التعب من مشقة سفرها الطويل علاوة على الجوع لم تجد أمامها من بد سوى نهش لحوم البشر التي لم تكن من قبل من مأكولاتها المفضلة. مهما يكن من أمر فإن الذهب رفع أقواما وحط آخرين وعلى الحكومة تقصي النتائج قبل انفجار الآثار وحتى لا ترتفع أعداد المشردين بسبب خيبة الأمل للعائدين صفر اليدين بعد أن نسفوا كل آمالهم في الوظائف(أم تعب) وباعوا حتى بيوتهم قبل سطوهم على فيافي الكلاب.