مواثيق حقوق الإنسان، واتفاقيات السلام - نيفاشا نموذجاً - تدعو للمساواة، وأن تكون المواطنة هي الأساس في التعايش وإتاحة الفرص في العمل والتوظيف والكسب المشروع، وقد ترى الدولة أنها مجبرة على تبني مواقف قد يعترض عليها البعض، خاصة لدى التعامل مع الأقليات الدينية، في ظل ضغوط تواجه بها من مؤسسات دينية ذات أثر وتأثير، مثل مجلس الكنائس العالمي الذي يقدر عدد المسيحيين في السودان بنحو ثلاثة ملايين مسيحي من بين تسعة وثلاثين مليون مواطن في السودان، ليسوا مسلمين بالكامل إذ أن من بينهم أصحاب ديانات أفريقية ولا دينيين، أو هكذا يرى الآخرون، مع وجود عامل آخر هو «الرقابة» على الدولة من الخارج إزاء هذه الأقليات والمجموعات، مع غياب تام للفهم في عقل المواطن البسيط لمشكلات الدولة الحديثة، إذ أنه يرى الدولة وفق منظوره الشخصي ومعتقده الديني، ويحتاج إلى جهد كبير - من الدولة - لاستيعاب الواقع العالمي الجديد. يعيب بعض المتشددين على حكومة الإنقاذ ذات الخلفية والأرضية الإسلامية، وعلى حزب المؤتمر الوطني الذي يعتبره البعض واجهة للحركة الإسلامية في السودان، يعيبون عليهم التوقيع على اتفاقية تمنح غير المسلم حق الرئاسة والحكم في بلاد أغلبيتها مسلمة، وقد ظل الحلم المسيطر على الوجدان المسلم السوداني هو تحقيق ما يمكن أن نسميه بالأسلمة والتعريب.. ولكن ومثلما أشرنا فإن المواطن «البسيط» ليس لديه استعداد لفهم المشكلات «المركبة» وهو يرى دولته وفق منظوره الشخصي ومعتقده الديني، ولا يستصحب الواقع الفعلي معه لتحقيق أحلامه «الشرعية» والمشروعة، ومع ذلك هناك من الباحثين أمثال الدكتور طارق أحمد عثمان يرون أن الحركة الإسلامية في السودان، وعلى الرغم من انفتاحها المحدود، فقد سبقت التيارات الإسلامية الحديثة نظرياً وعملياً، فالجبهة الإسلامية القومية، كما جاء في بحث للدكتور طارق حمل عنوان: «الحركة الإسلامية الحديثة في السودان ومسألة التغيير الاجتماعي»، سمحت في دستورها بانضمام المسيحيين إليها، كما أنها حرصت على تفادي الدخول في مواجهة مباشرة مع الكنيسة، وإن كان كثير من القول غير الواقعي قد صاحب عملها، حيث يشير الباحث إلى إصرار الجبهة القومية الإسلامية على أن نسبة المسلمين تزيد عن المسيحيين في جنوب السودان، ويستطرد قائلاً إنه إذا صح هذا الأمر أو لم يصح يبقى مثل هذا القول اتجاهاً سياسياً ضاغطاً وليس اتجاهاً علمياً لحل المشكلة. ويستطرد قائلاً: إن الحركة لم تجتهد كثيراً في حق الأقليات الدينية بحثاً عن حل لأوضاعها ومشكلاتها. ومع ذلك نرى تأثير رجال الدين والجماعات الدينية على مراكز اتخاذ القرار، وحتى في بعض المناطق التي لا تدين بدين سماوي في السودان نجد أثر وتأثير السلطة الروحية الظاهر على متخذي القرار، على الأقل في دوائر تأثير تلك السلطة مثل الكجور عند الدينكا وبعض القبائل في الجنوب أو المناطق المختلفة، ومثل الرث عند الشلك، إذ أن البيوت التي تستظل بظل السلطة الروحية هي ذات التأثير الأقوى في المجتمع، وبالقطع نجد أن التيار السلفي حجز لنفسه مساحة في الوجدان السوداني والعقل المسلم، فظهرت الجماعات السلفية بمسمياتها المختلفة ومواقفها الواضحة والمحددة من «الآخر» المتمثل في أصحاب الديانات والمعتقدات الأخرى، وفي أتباع المذاهب الدينية المختلفة وفي مشائخ وأتباع الطرق الصوفية، ولعل أبرز الجماعات السلفية تحديداً لمواقفها، جماعة أنصار السنة المحمدية التي سبق أن تعرض أحد مساجدها - مسجد الحارة الأولى بالثورة - إلى اعتداء بالرصاص من قبل جماعة تكفيرية في النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي، استهدف إمام المسجد وأحد زعماء الجماعة الشيخ الجليل أبو زيد محمد حمزة، وقد أدان كل المجتمع تلك الحادثة البشعة التي كنت أحد شهودها، ومن بين الذين تعاطفوا مع جماعة أنصار السنة المحمدية كل الطرق الصوفية التي هي بالضرورة عدو أكيد للتكفيريين، وجرت مصالحة علنية بين أنصار السنة والصوفية في أول خطبة جمعة للشيخ أبو زيد محمد حمزة، الذي أدان الحادث وشكر الذين واسوا الجماعة، وعندما جاء الدور على الصوفية، قال: «الصوفية أحبابنا.. الصوفية أحبابنا».