لا أدري ماذا كان إحساس ياسر عرمان وهو يُستقبل قبل أيام استقبالاً جماهيرياً بالمطار عقب ترشيحه للرئاسة وعودته من جوبا؟.. هل أحس بأن الترشيح جاء لأنه الكفء والأجدر وأنه الرجل المناسب للموقع المناسب؟.. وهل راوده إحساس بأن ثمة أجندة خفية وراء ترشيحه.. إنها أسئلة بريئة تدعونا لأن نقرأ ما وراء هذا الترشيح الذي تم لعرمان والذي كان كل حلمه بعد اتفاقية السلام أن ينشيء فضائية يديرها بحكم أن دوره طوال حياة قرنق كان القيام بدور الناطق الرسمي للحركة لإظهار أنها ليست جنوبية وأن بها وجوهاً شمالية، لهذا لم يمنح عرمان بعد رحيل قرنق أي موقع وزاري، بل تم نقل دور الناطق الرسمي إلى وجه جنوبي وتم الدفع بعرمان إلى البرلمان، الشيء الذي جعل عرمان يحس بالتهميش ليقرر بانفعالات الشباب الهجرة ومغادرة البلاد دون أن يمنعه قيادات الحركة أو يثنونه، وبقيّ هناك حتى تغيرت الأحوال داخل الحركة بقدرة قادر وبرزت قوة جناح باقان ليعود عرمان تاركاً «القراية» التي قال إنه هاجر من أجلها، ليصبح (فردة) باقان الذي قوى من موقفه داخل الحركة وكان وراء ترشيحه لرئاسة الجمهورية، هذا الترشيح الذي يحمل عدة مدلولات لرجل كان يقول قبل ترشيحه بأيام.. إن علينا أن نقبل تعايش الدولتين الجارتين، ثم عاد بعد ترشيحه ليقول: إن ترشيحي من أجل السودان الجديد.. فيما رئيس الحركة يدعو في يامبيو المجتمع الدولي لقبول الدولة الجديدة حالة أن يكون خيار الجنوبيين الانفصال كما تجري من وراء الكواليس الترتيبات لذلك من قيادات الحركة التي رأت أن ترشيح سلفاكير للرئاسة أو دعم الحركة للبشير يعني دعمها لخيار الوحدة الذي لا يريدونه. المهم أن عرمان الشمالي تم ترشيحه لرئاسة الجمهورية ولم يرشحوه حاكماً ورئيساً لحكومة الجنوب ويرشحوا سلفاكير لرئاسة السودان، وهم الذين يستخدمون عرمان كخميرة عكننة للشمال، وبدأ ذلك بإنشاء قطاع الشمال وما ظل يقوم به مروراً بترشيح عرمان للرئاسة الآن، فالذي تقوم به الحركة من خطوات تنصب كلها في دعم الانفصال ليصبح واقعاً، والذي للأسف تدعمه أحزاب مؤتمر جوبا المساندة للحركة.. بعضها بوعي والأخرى بلا وعي، وقطعاً أن الحركة تدرك أن عرمان لن يفوز في مواجهة البشير الذي عُرف بالنضج السياسي وعمق التجربة وتسنده إنجازات تكسبه جماهيرية بخلاف أنصار الوطني ممن هم في خانة المستقلين أو المجربين للأحزاب الأخرى التي حكمت من قبل ولم تنجز شيئاً.. على عكس عرمان الذي يدخلها بعد تجربة فطيرة في البرلمان المعين، برز فيها كمهرج أكثر من سياسي عميق منحازاً لجانب المواطن.. ولا ندري ماذا سيفعل عرمان بعد الانفصال الذي هو أقرب وفق سيناريوهات الحركة ومَنْ وراءها.. هل سينشيء فضائية هناك أم سيكتفي في سيرته الذاتية بأنه سبق أن ترشح للرئاسة في واقعة لن تتكرر!!