ليس هناك عاقل مع الانفصال، لكن هناك من يخالف سياسة المؤتمر الوطني عامة، وهناك من يخالف سياسة الحركة الشعبية، لذلك أصبحت هناك تربة خصبة للمزايدة السياسية، في أخطر قضية تواجهها بلادنا، وأصبح الاستفتاء الخاص بتقرير المصير، والمحدد له يناير (2011)، سيفاً مسلطاً على عنق الوطن، رغم إيمان الجميع بأن انتخابات أبريل المقبلة، تمثل تغييراً جذرياً في قضية التحول الديمقراطي، ورغم إيمان الشريكين وحلفائهما بأن الاستفتاء المنتظر سيلبي المعايير المنصوص عليها في اتفاقية السلام الشامل.. إجراء الانتخابات هدف أول، يليه الاستفتاء، ثم الاتفاق على ترتيبات ما بعد الاستفتاء، وحسم قضية (حدود متفق عليها) بين الشمال والجنوب، أي الترسيم والتحديد، وإلا فإن كل الشريط الحدودي بين الشمال والجنوب المحتقن أصلاً، سينفجر عند أول أعراض الالتهاب، وتطال آثار ذلك الانفجار الجميع (من حلفا إلى نيمولي) و(الجنينة إلى بورتسودان). لم يعد هناك وقت، فقد اقتربت الساعة، وأوشك الوطن على الانقسام، ولكننا ندعو الله سراًوجهراً ألا يتم الانفصال، لأن هذا إن حدث سيكون سبة تاريخية لكل الذين فرطوا في وطن واحد متوحد ومتماسك، في وقت تسعى فيه الشعوب إلى التعاضد والتماسك والتوحد، لذلك يصبح الأمل- كل الأمل - مرتبطاً بحكمة السياسيين وحنكتهم، ومرتبطاً بدور المفكرين والرموز والإعلام وأصحاب الأقلام في التبشير بحملة قوية تساند الوحدة وتبين مخاطر الانفصال، على الجنوب وعلى الشمال. لن ينسى الشعب السوداني في الجنوب أو الشمال ما حققته اتفاقية السلام الشامل من مكاسب؛ لأننا نعيش الآن مرحلة تحول ديمقراطي حقيقي، وأجيزت قوانين الانتخابات، والصحافة، والأمن الوطني، وتم الفراغ من ترسيم الدوائر الجغرافية، وعمليات تسجيل الناخبين، وفتح الباب أمام المرشحين، وتم تسجيل ما يزيد على الستة عشر مليون ناخب، ورفعت الرقابة القبلية على الصحف بتوجيه مباشر من السيد رئيس الجمهورية.. وهذه مكاسب سياسية عظيمة لا ينكرها إلا مكابر، ولكن تبقى هناك (مناطق رمادية) في اتفاقية السلام الشامل، تتطلب (جلسة جديدة) بين الشريكين، يتفقان فيها على فتح (الملفات الغامضة) ومنها على سبيل المثال أن اتفاقية السلام الشامل لا تنص على أية خارطة طريق (واضحة) لما سيحدث بعد الاستفتاء، ولم يتم تحديد الترتيبات الخاصة بسيناريو الوحدة أو سيناريو الانفصال. نحن نؤمن تماماً.. ونقر بحتمية الترابط بين الشمال والجنوب مهما كانت نتائج الاستفتاء، ترابط يكون جلياً وأكثر وضوحاً في التداخل الاجتماعي والتعايش المجتمعي لأبناء الجنوب في الشمال، أو العكس.. ويتضح في التعايش بالمناطق الحدودية، وفي قطاعات النفط وغيرها. المطلوب الآن وبصورة عاجلة من القيادة السياسية ومن قيادات المؤتمر الوطني، والحركة الشعبية، الجلوس (وجهاً لوجه) لبحث ترتيبات ما بعد الاستفتاء، وإبرام الاتفاقيات الخاصة بالقضايا المصيرية والكبرى، المبينة لأبناء الجنوب عواقب ومحاذير اختيارهم للانفصال، إن أردنا بحق ألا (يتهشم) الوطن.