عذراًجميلاً وواسعاً وشاسعاً.. هذا القلم أحبتي.. ما ولج أبداً في دهاليز الحكام.. ولا إندلق منه المداد أصلاً.. إشادة.. بمترف.. أو حاكم.. أو وزير أو سلطان.. أمقت في حقد كل قامة.. تنحني.. لغير فاطر السموات والأرض.. ما كرهت رجلاً.. شاعراً.. جزل العبارة.. ثري المفردة.. أنيق وبديع الحروف.. مثل المتنبيء.. فقط لأنه ظل.. راكعاً دوماً بين يدي سيف الدولة.. إشادة وعبادة ومدحاً.. لأنه ما برح أبداً ساجداً معفراً جبينه.. على بلاط كافور.. هاتفاً.. مادحاً.. منافقاً.. «مستهبلاً».. لم تسلم قامته من الانحناءة.. وهو يقبل.. حذاء «فاتك».. كل سلطان.. أو أمير أو حاكم.. أو إمام.. أجد مشقة بالغة.. في «صرف» نعوت الإشادة.. ووصف الرجال و«شكر» الجالسين على أمور الناس.. بخيل حد التقتير.. في بذل الإطناب.. والإعجاب.. لكل رجل مهما كان.. ولكن.. أحياناً.. يلوي عنق قلمي.. فعل بهير.. وإنجاز جهير.. وعمل خطير.. واليوم.. فليسمح لي قلمي ومدادي.. أن أريقه فرحاً.. وأدلقه سعداً على صفحات وصحائف.. تنشد وتتوجه بالشكر إلى الدكتور كمال عبد القادر وكيل وزارة الصحة الإتحادية.. ولكن لماذا.. وما خطب الرجل.. وما خطبي.. وبالأمس الأول.. تضيء وتتألق.. صحف الخرطوم.. وهي تحمل.. في طياتها.. صفحة.. من الإبهار.. وتعيد إلى الأذهان.. اشراقاً كان قد تمدد عبر زمان طوته سنوات النسيان.. تقول صحف الخرطوم.. إن «كمال» قد طاف على عدد من المستشفيات متنكراً.. وهو بذلك يعيد سيرة كانت راتبة في سجل الأولين.. هي جزء من ذاك النظام البديع.. الذي إخترعه في رشاد خليفة المسلمين وأمير المؤمنين عمر الفاروق.. كان ديدناً.. ونهجاً.. ظل يمارسه ساسة.. نبلاء في بلادنا هذه في سابق العصر والأوان.. وهنا دعوني أرسل كلمات بطعم الشهد.. وشكراً بحجم وابل.. تجري من دفقاته.. شلالات الماء جداولاً.. أنهاراً.. ومجاري.. أنه عمل.. ميداني.. يؤتى أكله في اللحظة والتو والحين.. هو غير تلك المكاتبات الباردة وتصريف الأمور من منضدة البيروقراطية السلحافية العمياء الجامدة.. وما أروع.. أن يرى الوزير بأم عينيه.. المستشفيات.. مبانيها.. أدواتها أطباءها.. وممرضيها.. ومرضاها.. عياناً بياناً دون وسيط.. كان ذلك الوسيط تقريراً شفهياً.. أو حديثاً تلفونياً.. أو سطوراً على ورق.. يظل «أعمشاً» مهما كان صقيلاً.. وتصل حروفه باردة حتى وإن كتبت من مرجل يغلي.. ولكن.. دعوني.. أطلب من السيد الوكيل.. أن يواصل حملاته التنكرية.. ولكن هذه المرة.. نطلب منه في إلحاح.. وإلحاف.. و«حليفه».. أن يتنكر في شكل مريض.. يحمله أهله.. إلى مستوصف خاص.. ليرى عجائب الدنيا.. التي صارت.. بفضل بلادنا.. ثمانية.. أنا لا أتحدث في تعميم ظالم ومخل.. عن كل المستشفيات الخاصة.. ولكني أعني بعضها.. وهذا «البعض» الذي أعنيه.. لو تنكر الدكتور الوكيل وصادف إحداها.. سوف تصقعه الدهشة.. لأنه سوف يرى.. فنادق.. ردئية الخدمات.. تنتحل زوراً وبهتاناً صفة المستشفى.. سوف يرى بالأسف كله.. والحزن كله.. أن أخلاق الأطباء تلك الشاسعة الرصينة.. قد غادرت بعض تلك المستشفيات.. أو دفنت تحت أكوام الأموال.. المستحلبة من جيوب مرضى.. يدفعون بالملايين دم قلوبهم وهم صاغرون أو مكرهون.. أو خائفون.. سوف يرى منازل عادية «بيوت» مكدسة الغرف.. وسط أحياء مكتظة بالسكان أو جوار طلمبة بنزين.. أو وسط سوق شعبي صاخب.. وقد تحولت بعد «شوية» جير ولمبات.. ولافتات.. إلى مستوصف يدفع فيه المواطنون الملايين.. لا تسأل.. عن التهوية.. ولا الحدائق.. ولا فواصل تيارات الهواء النقي.. فهذه أحلام.. وأغاني وأماني مستحيلة.. سيدي الدكتور.. تنكر.. اليوم.. طوافاً على المستوصفات والمستشفيات الخاصة.. وعد إلى مكتبك.. وأنا واثق إنك في ذات الليلة سوف تصدر أمراً بإغلاق.. أكثر من ثلثي تلك الفنادق «المستهبلة».