كل شعوب الدنيا تعشق الديمقراطية وهي التي تعني أول ما تعني حرية الإرادة وحرية التعبير، وبسط مساحات المشاركة في التشاور، واتخاذ القرار وكل القادة السياسيين بمختلف مواقعهم، وفي جميع منتدياتهم الخاصة أو اجتماعاتهم الرسمية، أو لقاءاتهم الجماهيرية والشعبية، التي يلتقون فيها بالجماهير، دائماً ما يرفعون عقائرهم بعبارات الانحياز للشعب والدفاع عن قضاياه ومصالحه، ودائماً ينسبون أقوالهم ووعودهم بالعمل من أجل الشعب لذواتهم الشخصية مباشرة، إن كانوا في نظام شمولي، أو لأحزابهم في حالة ما يسمونه مجازاً بالحكم الديمقراطي، وجميعهم يستعطفون الناس ويشيرون اليهم وبواسطة أصحاب المصالح المكفولة والحناجر المملوءة، أن ارفعوا أصواتكم بالشعارات والهتافات المملاة، للتأييد المطلق والتمجيد اللازم للأشخاص، وخاصة الذين يمسكون بقبضتهم الحديدية وبواسطة آلياتهم المصنوعة المختلفة على كل مقاليد الأمور، وظلوا يتحكمون ولو إلى حين بعد الله في مصائر الآخرين قرباً وبعداً، بالترغيب والترهيب، وربما في أرزاق من يعملون عملاً خاصاً خارج دولاب الدولة، ونفس هذا السيناريو يتكرر عند الذين ظهروا فجأة في ساحة السياسة السودانية والذين فرضتهم الظروف التي غيبت أهل الحل والعقد في مجتمعاتهم، فجاءوا يتحدثون باسم القبيلة أو الاقليم كعتبات يرتقون بها إلى مواقع القيادة بأي ثمن، وهم لا يدرون أنهم والقبيلة والاقليم ينحدرون بهذه العتبات إلى الأسفل، ولا يرقون بها أبداً، لأنهم وفي غمرة الشره والتطلع غير المحسوب للسلطة والسطوة والثروة ينسون أنهم يعودون بالبلاد كلها إلى مربع التشرذم والقطيعة والإحتراب، ومن ثم التدخلات والمؤامرات، فيدمرون بذلك الوطن والشعب كليهما.. سقت هذه المقدمة لتقودني للحديث عن الفترة التي تعيشها البلاد الآن (فترة ما تسمى بالحملات الانتخابية)، ونحن مقبلون بعدها إن شاء الله لمرحلة فاصلة وحساسة، وهي مرحلة تصويت الناخبين للمرشحين الذين اكتظت بهم الساحة السودانية بمختلف مسمياتهم الحزبية، والتي بلا شك تخفي بعضها الاثنيات القبلية والجهوية تحت مسمياتها، ومن استقرائي لكل هذا السيناريو فإنني أرفع صوتي عالياً هاتفاً للشعب السوداني كله في جمهرتهم العامة، والتي كثيراً ما يصنعها المتخصصون والمنتفعون ويفرضونها عليهم كلقاءات للمترشحين ولكل المناصب، من رئاسة الجمهورية ورئاسة حكومة الجنوب والمجلس الوطني القومي ومجالس الولايات التشريعية، وأخص بهذا الهتاف الذين حرصوا بأنفسهم أو حرص عليهم أصحاب المصالح، وسجلوا أسماءهم في كشوفات الناخبين، بأن الكرة الآن في ملعبكم، فلا تأخذنكم الشعارات والوعود والعبارات المنمقة والاستجداء الرخيص، أو المهاترات التي يتبادلها المرشحون من الأحزاب المختلفة.. فنحن نريد ممارسة نبحث فيها -نحن الشعب- لتقديم عمل رشيد نقدمه نموذجاً للعالم كله، لنخرج به وإلى الأبد من تلك الدائرة الخبيثة- الديمقراطية الضعيفة ثم الانقلاب العسكري- ومن أجل ذلك ابحثوا مدققين ومن بين المرشحين عن الرجال القادرين والمتجردين لهذا الوطن، والمنحازين حقيقة لمصلحة شعبه، وليس المتاجرين بالحزبية أو القبلية، وأظن أن التجارب التي عاشها هذا الشعب العظيم كفيلة بأن تجعله قادراً على التفريق بين من هو صالح ومن هو طالح.. فنحن نتطلع إلى مؤسسات قيادية وتنفيذية صادقة ومؤسسات تشريعية حقيقية لا تنحاز انحيازاً أعمى للحزب أو القبيلة أو الاقليم.. فيجب أن نختار القيادة التي تكيل لكل الشعب بمكيال واحد، ولنواب البرلمانات الذين يقفون بصلابة أمام كل من يعبث بمقدرات هذا الشعب أو يتلاعب في ماله العام أو يهمل قضاياه الأساسية في خدماته واحتياجاته الضرورية، ويسخر الأموال لمصالح أصحاب الحظوة أو بهارج الحياة الفانية. إنني بهذا الحديث لا أقلل من ضرورة الأحزاب السياسية في بلادنا، فهي المدخل الأول للعمل الديمقراطي الذي أصبح مداً عالمياً لا يمكن مصادمته، ولكنني أطلب أن نتحيز لمن نرى فيهم صلاح هذه الأمة ومصالحها من بين مرشحي هذه الاحزاب أو المستقلين عنها. والله من وراء القصد