الجيش الكويتي: الصواريخ الباليستية العابرة فوق البلاد في نطاقات جوية مرتفعة جداً ولا تشكل أي تهديد    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    المريخ فِي نَواكْشوط (يَبْقَى لحِينَ السَّدَاد)    اردول: افتتاح مكتب ولاية الخرطوم بضاحية شرق النيل    شاهد بالصورة والفيديو.. وسط ضحكات المتابعين.. ناشط سوداني يوثق فشل نقل تجربة "الشربوت" السوداني للمواطن المصري    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    المريخ يكرم القائم بالأعمال و شخصيات ومؤسسات موريتانية تقديرًا لحسن الضيافة    خطوة مثيرة لمصابي ميليشيا الدعم السريع    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    برمجة دوري ربك بعد الفصل في الشكاوي    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    مجلس إدارة جديد لنادي الرابطة كوستي    شاهد بالفيديو.. الجامعة الأوروبية بجورجيا تختار الفنانة هدي عربي لتمثل السودان في حفل جماهيري ضخم للجاليات العربية    شاهد بالفيديو.. الجامعة الأوروبية بجورجيا تختار الفنانة هدي عربي لتمثل السودان في حفل جماهيري ضخم للجاليات العربية    شاهد بالصورة.. السلطانة هدى عربي تخطف الأضواء بإطلالة مميزة مع والدتها    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    شاهد بالصورة.. السلطانة هدى عربي تخطف الأضواء بإطلالة مميزة مع والدتها    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    رباعية نظيفة .. باريس يهين أتلتيكو مدريد في مونديال الأندية    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    على طريقة البليهي.. "مشادة قوية" بين ياسر إبراهيم وميسي    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    من حق إيران وأي دولة أخري أن تحصل علي قنبلة نووية    وصول 335 من المبعدين لدنقلا جراء أحداث منطقة المثلث الحدودية    ترامب يبلغ نتنياهو باحتمال انضمام أمريكا إلى العملية العسكرية ضد إيران    أول دولة عربية تقرر إجلاء رعاياها من إيران    كيف أدخلت إسرائيل المسيرات إلى قلب إيران؟    خلال ساعات.. مهمة منتظرة لمدرب المريخ    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    تنفيذ حكم إعدام في السعودية يثير جدلاً واسعًا    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    ضربة إيرانية مباشرة في ريشون ليتسيون تثير صدمة في إسرائيل    معركة جديدة بين ليفربول وبايرن بسبب صلاح    بالصور.. زوجة الميرغني تقضي إجازتها الصيفية مع ابنتها وسط الحيوانات    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    رئيس مجلس الوزراء يؤكد أهمية الكهرباء في نهضة وإعادة اعمار البلاد    رئيس مجلس الوزراء يؤكد أهمية الكهرباء في نهضة وإعادة اعمار البلاد    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    فجرًا.. السلطات في السودان تلقيّ القبض على34 متّهمًا بينهم نظاميين    رئيس مجلس الوزراء يقدم تهاني عيد الاضحي المبارك لشرطة ولاية البحر الاحمر    وفاة حاجة من ولاية البحر الأحمر بمكة    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    مسؤول سوداني يطلق دعوة للتجار بشأن الأضحية    محمد دفع الله.. (صُورة) تَتَحَدّث كُلّ اللُّغات    في سابقة تعد الأولى من نوعها.. دولة عربية تلغي شعيرة ذبح الأضاحي هذا العام لهذا السبب (….) وتحذيرات للسودانيين المقيمين فيها    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    تراجع وفيات الكوليرا في الخرطوم    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود "إماراتية"    "الحرابة ولا حلو" لهاني عابدين.. نداء السلام والأمل في وجه التحديات    "عشبة الخلود".. ما سرّ النبتة القادمة من جبال وغابات آسيا؟    علامات خفية لنقص المغنيسيوم.. لا تتجاهلها    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانتخابات ومستقبل النظام الرئاسي..!
نشر في آخر لحظة يوم 08 - 03 - 2010

جدلٌ سياسي ودستوري ظل يعلو حيناً ويخبو ويتراجع في أحيان أخرى حول النظام الأمثل لحكم السودان- أي كيف تحكم البلاد- جدل لم يبلغ غايته بعد، بالرغم من التوصل إلى اتفاقية السلام الشامل عام 2005، وصياغة دستور مؤقت تجري الانتخابات الحالية بناء على موجهاته وأسس الاتفاقية التي اعتبرت جزءاً لا يتجزأ منه. وإذا كان هناك ما يمكن ملاحظته من توافق ورضاء عام - consensus- حول ضرورة النظام الاتحادي (الفيدرالي) بالنظر إلى التعدد والتنوع الإثني والثقافي والجغرافي والتاريخي للبلاد، فإن شكل الحكم في مركز الدولة بين النظامين البرلماني والرئاسي يظل محل أخذ ورد وتساؤلات، بالرغم من الاتجاه السائد حتى الآن بترجيح النظام الرئاسي، اعتماداً على الإخفاقات -أو ما عدا كذلك- في الفترات الديموقراطية القصيرة والمتقطعة التي حكمت السودان.
أعادني لطرح هذه القضية مجدداً، حديث أجرته جريدة «أخبار اليوم» مع الأستاذ علي السيد المحامي القيادي البارز في الحزب الاتحادي الديموقراطي «الأصل»، فقد وجه إليه المحرر سؤالاً حول رؤيته العامة لما ستؤول إليه العملية الانتخابية وإفرازاتها المتوقعة، فأجاب الأستاذ السيد بقوله: الانتخابات التي نراها، إذا حدث فيها تزوير ستكون نهايتها كارثة، فقد لا تجد القبول وبالتالي تظل المعارضة هي المعارضة والنظام هو النظام، لكن إذا سارت بطريقة صحيحة فيمكن أن يأتي البرلمان، ولكن أسوأ ما في هذه الانتخابات -وهذا هو المهم وموضوع هذه «الإضاءة»- هو «أن النظام رئاسي، لذا نحن طالبنا في برنامجنا الانتخابي بالعودة للنظام البرلماني ونرفض تماماً النظام القائم الآن.. ومؤمنون تماماً على الحكم اللامركزي والمحلي.. أما النظام الرئاسي فقد عانينا منه معاناة شديدة طيلة هذه المدة، وبالتالي فهو نظام غير ديموقراطي وغير مفيد للسودان.. ويعمل على القبلية التي نشأت الآن بصورة كبيرة جداً.. والناس تركوا الأحزاب وبدأوا في الحديث عن القبلية حتى داخل الحزب الواحد.. هذه الانتخابات لن تأتي بأحزاب داخل البرلمان إنما ستأتي بقبائل.. وهذه واحدة من مآسي النظام الرئاسي الذي ينتخب رئيس الجمهورية. وهذه واحدة من العيوب، ولكن بالرغم من ذلك نحن ارتضينا باتفاقية نيفاشا ومن ثم علينا أن نخضع للوضع الراهن، ولكن حينما يكتب الدستور الدائم سنعود إلى النظام البرلماني بالرغم من الأخطاء والممارسات التي لم تتم، ولكنه هو الطريق المؤدي للوضع الصحيح، فالدول الغربية كلها مرت بنفس المحنة التي عشناها في زمن الديموقراطيات، ولكن في النهاية بطول الزمن حولت النظام البرلماني إلى عقيدة راسخة في الممارسات السياسية، وهذه سنة التطور في العمل السياسي».
بعد مطالعة حديث الأستاذ علي السيد عدتُ إلى كتاب «قصة دستور الولايات المتحدة» تأليف ماكس فاواند وترجمة الدكتور وايت إبراهيم، الذي هو أحد مكونات مكتبتي الصغيرة منذ أكتوبر 1989 تاريخ شرائه، فوقفت مجدداً على أحكام دستور الولايات المتحدة، خصوصاً تلك المواد المتصلة بسلطات الكونجرس -مجلس النواب والشيوخ- وسلطة رئيس الولايات المتحدة، فوجدت أن سلطة الرئيس الأمريكي، بالرغم مما يسمى ب«النظام الرئاسي» لا تتعدى كثيراً سلطة رئيس الوزراء في أية دولة، بالرغم من كونه ينتخب مباشرة من قبل الشعب الأمريكي، فقد وضعت محددات واضحة تجعل سلطة الكونجرس - الذي هو البرلمان الأمريكي- تتفوق على سلطة الرئيس خصوصاً في القضايا الكبرى والتشريعات المهمة. من ذلك مثلاً ما ورد في المادة الأولى من الدستور (الفقرة السابعة) التي تنص على أن: كل مشروع قانون يصدق عليه مجلس النواب والشيوخ يجب قبل أن يصبح قانوناً أن يقدم إلى رئيس الولايات المتحدة، فإذا أقره أمضاه، وأذا لم يقره أعاده مع اعتراضاته إلى المجلس الذي صدر منه، وعلى المجلس أن يدرج تلك الاعتراضات بجملتها في مضابطه، ثم يباشر إعادة بحث المشروع- وإذا حدث بعد إعادة البحث أن ثلثي أعضاء المجلس وافقوا على المشروع، أرسل المشروع مع الاعتراضات إلى المجلس الآخر حيث يعاد بحثه، فإذا أقره ثلثا الأعضاء أصبح قانوناً. وتنص المادة أيضاً على أنه بعد إرسال مشروع القانون إلى الرئيس إذا لم يُعده في غضون عشرة أيام من تقديمه له (مع استثناء أيام الأحد)، أصبح المشروع قانوناً كما لو أمضاه. ثم أن للكونغرس نصاً «الفقرة الثامنة» من المادة الأولى سلطة فرض الضرائب والغرامات والرسوم والمكوس، وعليه أن يدفع الديون، وأن يتأهب للدفاع العام (حالة الطوارئ) ولصون المصلحة العامة للولايات المتحدة، وله أن يقترض مالاً لحساب الولايات المتحدة وينظم التجارة مع الأمم المتحدة وبين جميع الولايات ومع قبائل الهنود، وأن يسك النقود ويحدد قيمها وقيم العملات الأجنبية. أما سلطات الرئيس فنجدها مقيدة بطريقة لا لبس فيها في المادة الثانية من الدستور، بالرغم من كونه القائد الأعلى للجيش وله سلطة «تنفيذ الأحكام» وإصدار عفو عام عن الجرائم المقترفة في حق الولايات المتحدة، «إلا في حالة عدم الولاء» لكنه في كل الحالات تكون له السلطة، مستعيناً بمشورة مجلس الشيوخ وموافقته، في أن يعقد معاهدات بشرط أن يوافق عليها ثلثا عدد الشيوخ الحاضرين، وله أن يرشح ثم أن يُعين، مستعيناً -أيضاً- بمشورة مجلس الشيوخ وموافقة سفراء ووزراء عموميين آخرين وقناصل وقضاة للمحكمة العليا، وجميع الموظفين الآخرين الذين لم ترد في الدستور نصوصٌ خاصة بتعيينهم. ومع ذلك فللكونجرس أن يستعين بقانون على جعل حق تعيين مثل هؤلاء الموظفين المرؤوسين مخولاً إما للرئيس وحده أو للمحاكم أو لمديري الإدارات حسب ما يتراءى له. فالكونجرس كما هو واضح من نصوص الدستور الواردة أعلاه هو السلطة النهائية، وهو فوق هذا وذاك له الحق في عزل الرئيس ونائبه وجميع الموظفين المدنيين عند اتهامهم وإدانتهم بعدم الولاء أو الخيانة أو الرشوة، أو سواها من الجنايات والجنح الخطيرة بحسب «الفقرة الرابعة» من المادة الثانية، وتدخل ضمن هذه الجنح الخطيرة «الكذب على الشعب»، كما شاهدنا جميعاً في حالتي الرئيس نيكسون وبيل كلنتون الذي فلت بأعجوبة من «نصل سيف» العزل.
وعندما نأتي لدستور السودان المؤقت (دستور نيفاشا) نجد أنه ذهب إلى ما يشبه النقل الحرفي عن الدستور الأمريكي، في علاقة الرئيس بالبرلمان أو المجلس الوطني القومي ومجلس الولايات، لكنه نقل لم يحالفه التوفيق، خصوصاً عند الدخول في مقارنة بين أحوال السودان الذي يشكو التخلف الاقتصادي والقبلية والنزاعات الجهوية والعرقية، وغياب التقاليد السياسية والدستورية التي تحكم وتنظم دورة الحياة السياسية والقانونية وعمل المؤسسات كما هو الحال في الولايات المتحدة. ما يجعل النظام البرلماني - الذي طالب به الأستاذ علي السيد ويطالب به العديد من النخب السياسية والقانونية المتبصرة والعارفة بأحوال السودان- هو النظام القمين بالاستجابة لأحوال السودان وتعدديته وتنوع تكويناته. فنحن أمة لا تزال تتشكل وتعاني من تنافر عناصرها. ففي ظل نظام رئاسي يمكن توقع غياب الكوابح والتوازن بين السلطات -Check & Balance- ويجعل من القرار الرئاسي قراراً لا معقب عليه، خصوصاً عندما نتذكر أننا أمضينا أكثر من أربعين عاماً في ظل أنظمة شمولية كانت كلمة الرئيس فيها هي الفيصل. ولهذا يرى العديد من فقهاء القانون الدستوري أن نظام «مجلس السيادة» هو الأنسب والأوجه في ظروف السودان، أولاً لأنه مجلس منتخب من قبل البرلمان ومعبر عن التنوع والتعدد، وأقرب لروح الشورى التي يتمتع بها السودانيون حتى على مستوى القبيلة أو القرية، كما أن دول العالم الثالث التي اعتمدت النظام الرئاسي قد شقيت به ولم يسعدها كما هو الحال في باكستان، بينما جارتها الهند تحولت عبر النظام البرلماني إلى واحدة من أكثر الديموقراطيات استقراراً على مستوى العالم. فالنظام السياسي والدستوري لأي بلدٍٍ ينبغي أن يكون عقداً اجتماعياً يشبه الأمة ويعكس درجة التطور والعمران فيه، وإلا فسيجد نفسه في تناقض مع الواقع ومقتضياته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.