اختلف مع القوى السياسية وتختلف هي معى حول تقييمى لتقييماتها في بعض القضايا المختلفة، وتطرق أسماعنا وبقسوة تصريحات نعتقد أننا نمتلك الحق في عدم تصديقها، لأنها تختلف كثيراً عن الواقع الذي يعيشه السودان . لست هنا بصدد البحث أو السؤال عن هوية أصحاب (الحلاقيم الكبيرة) الذين ملأوا الساحة العامة هرجاً ومرجاً وصخباً وضجيجاً، يوزعون الإتهامات والبراءات يُمنةً ويُسرة كيفما شاءوا واشتهوا! هذا سادن وهذا خائن وذاك عميل! بل يخططون ويحرضون، حتى يتمكنوا من الوصول لأحد أهدافهم الخفية المتمثلة في الإستيلاء على السلطة. وعلاقة الشعب السوداني بالقوى السياسية ومرشحيها للانتخابات لا تحتاج إلى تأكيد أو شرح... فهي علاقة قديمة ومن نوع خاص، وبالنظر إلى (كل منهم له تاريخه وحاضره) ، ولماذا سادتي لا يتعلم بعضنا ويلتزم فضيلة العدل حتى عند الخلاف والإختلاف، وطالما أننا في رحاب الحديث عن المؤسسية المنضبطة والحرية المسؤولة والممارسة المهنية الراقية فإنها مُناسبَة لنطالب دوماً بالمزيد منها، لكن بالضرورة أن تكون الممارسة مسؤولة يُوظفها المعنيون لما يصلح بلادهم وينفع أهلهم، وليس للتآمر والتخابر والخذلان وطعن وهدم القيم والأخلاق وصالح الموروثات. السودان يزخر بالعديد من المميزات التي تُؤهله ليكون محط أنظار العالم، نظراً لمساحته الشاسعة، وربطه بين العالمين العربى والإفريقي ومجاورته لتسع دول، إضافةً لتعدد الأعراف والكتل السكانية والاثنية، التي تزيده خصوصية، كما يُعتبر قلباً نابضاً يستطيع توصيل كل الدماء إلى جميع أطراف القارة، بل هو مفتاح القارة التي أغلقها الاستعمار، ولهذا يمتاز بالتداخل والتشابك.. لذلك فإن فرزها، ثم معالجتها في إطار الشمول أجدى، كما أنها لا يمكن فصلها من مهددات الأمن القومي السوداني. ولابد من التفكير على أمل الوصول إلى خلاصات تساهم في صيانة المصالح السودانية، والحفاظ على مكانة السودان إقليمياً ودولياً، ومن الصعب أن تجد نماذج الدولة المعاصرة التي تتوفر فيها عناصر الشخصيات القومية الوطنية الواحدة، لأن الاستعمار بعد خروجه من دول العالم الثالث تركها عمداً مقسمة بطريقة لا تنعم فيها بهذه المقومات حتى لا تلحقه في التقدم والرقي. ولا بد من السعى لكى يصبح الولاء الوطني القومي درعاً واقياً من الاختراق والنفاذية المعادية للسودان، وتوافر عناصر معينة داخل كيان الأمة لتحقيق مثل هذه الشخصية، وتمازج مكونات الشخصية القومية السودانية في هوية واحدة على الأقل، بالرغم من أن هناك بعض السودانيين أصلاً وعرقاً لديهم ميول وولاءات باتجاه دول أخرى خاصةً المجاورة، تدفعهم العوامل الإجتماعية مثل المصاهرة، وصلات القربى، والرحم، والتعاطف العرقى، والدينى، في ساعات النزاع ما بين السودان والدول التي تنتمي إليها تلك الأقليات والجاليات. لا بد من جهد فكري وسياسي وإجتماعي يستهدف وضع أسس ضرورية لمعالجة المشكلات، والمعوقات المتعلقة ببلورة مكونات الهوية السودانية، لترسيخ البناء المتماسك للمجتمع السوداني، والمواكبة والإحاطة الدائمة بمهددات الأمن القومي داخلياً وخارجياً، وتنسيق جهود الدولة واستيعاب المتغيرات السياسية، والإجتماعية، والإقتصادية والعسكرية والأمنية ومعالجة افرازاتها. ويجب مراعاة الوضع الإجتماعي والتداخل القبلي، ومصالح المواطنين، واستصحاب رؤى القيادات الأهلية، والقبلية، والفعاليات الإجتماعية والسياسية وغيرها، لوضع المعالجات اللازمة تجاه أية مشكلة، وتدريب الكوادر الحكومية وبناء القدرات البشرية، وتطوير آليات الإعلام، وصون وتعزيز ثقة المواطن في أداء أجهزة الدولة المختلفة، والتوسع في تقديم الخدمات للمواطن..إلخ . لذا اقترح أن نعصم أنفسنا وأهلنا من الفتنة والدماء التي حرم الله اراقتها وسفكها، إلاَّ بالحق، وكذلك مأوى الفنادق الأوربية، وتقديم أهلنا إلى محرقة الحرب، والتهجير، واللجوء والمذلة، بححج التهميش وضرورة العدالة ... إلخ، وإبعاد العالم الخارجي من أمريكا وإسرائيل عن قضايانا.. قال تعالى:(ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم)، فماذا سنقول إلى الله في دماء وأرواح الآلاف التي راحت، ونحن مازلنا نخطط ونهدد وندعو للتدخل الأجنبي. وقد تلاحظ كلما اتجه السودان نحو التطور زيادة عند اللزوم- حسب وجهة نظر دول الإستكبار و(المكابرين)- وانتهج سياسة خارجية مستقلة أو بدأ في عمليات التحويل الإجتماعي، نرى دول الاستكبار قد علا صياحها وبدأت بشن حملاتها المضادة، وعندما تحدث ثورة مناهضة للإمبريالية أو تتسع الحركة الشعبية- (ما حقت الجماعة ديل)- المضادة للطغيان، ولحكم الأقليات الإقطاعية وللحكومات العسكرية من أجل التحرر الوطني والإجتماعي، تعمد دول الإستكبار فوراً إلى تنظيم حملة دعائية وترفع عقيرتها بالصراخ والتنديد ب(الخطر المحدق بالمصالح القومية لها). وحينما تخفق هذه الحملة في تحقيق أهدافها المتوخاة، تتخلى دول الاستكبار عن تقديم ما كان قد وعدت به من قروض، وتبدأ بتخفيض قيمة مستورداتها وفرض حظر على تصدير المعدات التكنولوجية، أو المواد الغذائية، وتعمل على زيادة حدة الضغط السياسي، وإذا ما أخفقت في تحقيق ما تصبو إليه فإنها تلجأ إلى التهديد والإبتزاز، من أجل زعزعة الإستقرار وبحياكة المؤامرات ضد الحكومة غير المرغوب فيها. ومع أنه لا توجد صورة واحدة للسودان يمكن وصفها بالصورة المثالية الصالحة لكل زمان ومكان، فإن القاعدة الأساسية تكمن في حرية الحوار حول قضايا الشعب المغلوب على أمره، وجدية التفاعل مع المشاكل والطموحات المشروعة، من خلال محورين أساسيين هما (محور المشاركة في صنع وصياغة السياسات من خلال الحق الكامل في إبداء الرأى .. ومحور الرقابة على الأداء الوطني الذي لا يمكن اختصاره في أداء الحكومة فقط، وإنماء يشمل أيضاً الأداء الحزبى وأداء مؤسسات المجتمع المدنى بمختلف مسمياتها). ومن ناحيتنا كسودانيين ينبغي أن نعمل لصحوة سودانية خالصة تستهدف توحيد الرؤية وصياغتها في مشروع سوداني - سودانى مشترك، يحدد أسس ركائزنا ويستشهد بسجلات التاريخ حتى نؤكد أن سنوات الحوار والتفاعل بيننا كانت هي سنوات النهضة على امتداد سوداننا، بل إنها سنوات القدرة على مد جسور التواصل مع بقية الحضارات الأخرى.. (إنتو تجافوا .. ما تحنوا ... بتحسر وأشيل الهم .. على يوم بكره كيف حيكون).