لم أعرف أن أستاذنا الكاتب والشاعر والدبلوماسي الكبير سيد أحمد الحردلو، من المغرمين بغناء كروان الطمبور الراحل الأستاذ النعام آدم، إلا قبل ثلاثة أيام فقط، في جلسة نادرة اجتمعنا خلالها وصديقنا الشاعر والإداري العَلَم الأستاذ كامل عبد الماجد، وقد دار الحديث بيننا حول الفنان الراحل عبد العزيز العميري، عندما سألني الأستاذ الحردلو عن شعراء بعض أغنياته، ثم دارت دورة الحديث لتصل إلى مقام طيب الذكر الذي أعتبره أحد عباقرة الأغنية السودانية الأستاذ النعام آدم، عليه رحمة الله. وأستاذنا الحردلو يحسن بي الظن كثيراً، وطلب إليّ أن أبحث له عن شريط غنائي للفنان النعام، فقلت له إن طلبه قد استجيب، لأن الشريط لديّ وأن احتفائي الخاص ب (ملك الطمبور) يجعلني أحتفظ له بأكثر من تسجيل، رغم أن الكثيرين حاولوا أن يتغنوا بغنائه، إلا إن صوت وأداء وملكات وكلمات النعام آدم، تظل تؤكد على الدوام إن (الغُنا سمح في خشم سيدو). ومن محبي النعام آدم صديقنا وأستاذ الإعلام الكبير أحمد العوض الحسن، وهو باحث لا تفتر له همة في مجال أغنية الطمبور عموماً، وأغنيات الشايقية على وجه الخصوص، لذلك تجده أفضل من يكتب أو يتحدث عن النعام آدم، أو عن الأستاذ المبدع عبد الرحمن بلاص، وله مع هذا وذاك قصص وحكايات وطرائف، منها ما رواه لي أستاذنا أحمد العوض واستزدت منه استيثاقاً يوم أمس الخميس، وذلك عندما جاء الفنان النعام للأستاذ أحمد العوض الذي كان وقتها مديراً للإدارة الثقافية بالإذاعة، وهو يحمل نصاً لشاعر كبير- احتفظ باسمه- عقب فشل المحاولة الانقلابية التي قادها المرحوم هاشم العطا ورفاقه، ضد الرئيس نميري في (19) يوليو 1971م- رحمهم الله جميعاً- وعرض النعام ذلك النص على صديقه أحمد العوض الذي أخذه جانباً وهمس في إذنه قائلاً: ( يا النعام إنت غنا البنات كمل عشان تغني للرجال؟). لقد كان النص الشعري تمجيداً للرئيس نميري ولعودته بعد دحر الانقلاب.. وزاد أحمد العوض: ( يا النعام شوف هسي الناس الغنوا لي هاشم العطا والانقلاب، وينهم.. مش في السجن؟.. يا النعام بكرة الأنظمة بتتغير ويجي غيرها، لكن غناك حيكون محفوظ). هنا وقف الفنان الراحل النعام آدم، وقال: ( قت كدي ياود العوض؟... حرَّم غير الغنا للبنات ما عندي شيتاً أديهو للناس).. وقد كان.. النعام آدم ظاهرة فنية لن تتكرر، قد يتم استنساخها لكن الأصل يبقى أصلاً، والصورة تبقى تقليداً، وقد بدأ حياته الفنية في أوائل الخمسينات.. ربما عام 1950م وكان يجئ للعاصمة لتسجيل بعض أغنياته لتبث من خلال برنامج (ربوع السودان)، وذلك قبل أن يستقر في الخرطوم، وهو مولود في قرية (الكربة) قريباً من (منصوركتي) بالولاية الشمالية، غنى من أشعاره ومن أشعار شعراء كبار أمثال الراحل حسن الدابي، وجيب الله كدكي، وإبراهيم ابنعوف، والسر عثمان الطيب، وإن كانت أغنيات صديقنا الشاعر الكبير محمد سعيد دفع الله قد حققت له نقلة نوعية في الكلمات والأداء كان يحتاجها وقتذاك لتزيد من قاعدة معجبيه ومستمعيه. أغنيات النعام كلها جميلة وبسيطة وعميقة، لأنه أحد عباقرة الغناء كما أسلفت، والمغني الجيد هو الذي يعبِّر عن أكبر قطاع أو شريحة من الناس، وتظل أغنياته خالدة وعلامة في مسيرة الغناء السوداني، لأن الجميع أو الأكثرية- على وجه الدقة- يطرب وتطرب لأغنيات مثل (ياحبيبي علي حن)، و(سمح الخصائل)، و(الزول الوسيم) و(فاوضني بلا زعل)، و(كلمني بقيت قيام)، و(قالوا المنقة منقولة) و(طار جنا الوزين).. وتظل أغنية (دمع الدم) التي كتبها ولحنها الراحل حسن الدابي من أجمل الأغنيات التي تغني بها النعام آدم، واحتفظت بها المكتبة الغنائية السودانية.. خاصة في المقطع البديع.