تباعدت المسافة بين حركة العدل والمساواة والحكومة، وتبددت حرارة التفاؤل التي انتعشت قبل أسبوعين فقط في احتفالية الاتفاق الإطاري، وأول مؤشر للإحباط هو تجاوز التاريخ المعلن لتوقيع اتفاق السلام النهائي بين الطرفين في الخامس عشر من مارس الجاري، فقد جاءت مواقف العدل والمساواة المتشددة تجاه الحركات الأخرى وعدم اعترافها بهم وسعيها لجعل سلام دارفور حصرياً عليها وحدها، هذا الموقف أضر بالعملية التفاوضية في أن تصل إلى ما تأمل فيه كل الأطراف. ومن جانب آخر فإن الحركات الأخرى الموجودة بالدوحة والمدعوة للمفاوضات والتي أثمرت فيها مجهودات القاهرةوطرابلس، متمثلة في مجموعة طرابلس ومجموعة خارطة الطريق أي مجموعة أديس أبابا، استطاعت أن تتوحد في حركة واحدة هي وحدة اندماجية بعيدة عن حركة العدل والمساواة التي أرادت جرها جرا إلى بيت الطاعة؛ واصفة الحركات بالضعف والهوان. إن موقف حركة العدل بقيادة الدكتور خليل في أنها الوحيدة التي تمثل دارفور خصم من رصيدها في المجتمع المدني الدارفوري في الداخل والخارج، وأفقد الحركة تعاطف المجتمع الإقليمي الذي يسعى لتحقيق سلام كامل يستوعب كل الحركات، وهي التي أخذت العبرة من اتفاقية أبوجا 2006 يوم كانت حركة جيش تحرير السودان أقوى الحركات، ولم تكن حركة العدل والمساواة تملك إلا بضعة سيارات للقتال لا تزيد عن ست سيارات، وبعد عام ونصف استطاعت أن تنفذ تجريدتها لمدينة أمدرمان بأكثر من تسعين عربة لاندكروزر، ولا أحد يستطيع أن يحدد وزن الحركات ووصفها بالضعيفة وعديمة التأثير وتجاوزها في عمليات التفاوض والاتفاق. ولا أحد يستطيع أن يتجاهل رأي المجتمع المدني الدارفوري بالداخل أو يمثله دون تفويض أو انتخاب. تلك المواقف الإقصائية هي المدعاة الأولى للتعجيل بأن تتخذ الأطراف الأخرى مواقف إيجابية وحاسمة في مسيرة سلام دارفور، وظهرت أولى تلك المواقف في توحد الحركات المسلحة تحت مظلة حركة التحرير والعدالة، وأسندت قيادتها للدكتور التجاني سيسي وهو معارض مدني لم يتزعم حركة مسلحة، في إشارة حقيقية لتفهم الحركات المسلحة إلى دور المجتمع المدني الدارفوري وأنه أساس القضية والضامن للسلام في دارفور، وتوصلت حركة التحرير والعدالة إلى اتفاق لوقف إطلاق النار واتفاق إطاري مع الحكومة ظهر الخميس الماضي الموافق 18 من مارس الجاري، وعقب توقيع الاتفاق جاءت الإشارة الثانية من مجموعة الثمانية والثلاثين قيادياً الذين غادروا صفوف العدل والمساواة؛ وعقدوا مؤتمراً صحفياً أعلنوا فيه قيام مجموعة الإصلاح وموقع المؤتمر الصحفي كان نفس القاعة التي تم فيها توقيع الاتفاق الإطاري بين حركة التحرير والعدالة والحكومة، ويعد مؤشراً إلى أن انضمام مجموعة الإصلاح لركب التفاوض لن يطول. لقد كنت حاضراً هذه المرة نهار الخميس بالدوحة واستمعت إلى خطابات ممثلي الوفود، الحكومة السودانية كلمة الأستاذ علي عثمان نائب الرئيس ومعالي ولي عهد دولة قطر ووزير الخارجية وممثلي الأطراف المعنية بالمفاوضات من مؤسسات إقليمية ودول الجوار، وأخيراً إلى كلمة الدكتور التجاني سيسي رئيس حركة التحرير والعدالة، وفي خطابه عبر عن رؤيتهم للحل وحرصهم للوصول إلى سلام، إلاَّ أن الجدير بالاهتمام في خطاب سيسي ذلك الحديث الواضح والصريح حول ما يتم التوصل إليه من اتفاق لكل أهل دارفور، بإثنياتهم المختلفة وشرائحهم الاجتماعية والفكرية بعد أن ثمن دور ونضال المجتمع المدني الدارفوري في الداخل، وتحملهم لنتائج الصراع وتحملهم لمسؤولية السلام والتنمية في ولايات دارفور، مشيراً إلى أن الحركة لا تسعى لتوظيف منسوبيها في قسمة السلطة ولا تسعى للاستئثار بقسمة الثروة فهي حقوق تم ردها إلى أهلها. أما الثانية فقد أشار إلى أن حركة التحرير والعدالة تدعو المجموعات المتخلفة عن التوقيع إلى الجلوس معاً دون قيد وشرط أو اشتراطات؛ للوصول إلى الهدف المشترك وتحريك العملية السلمية للوصول إلى محطتها الأخيرة.بقيت ملاحظة تكمل رؤيتنا السابقة فإلى جانب وجود كل شرائح المجتمع المدني الدارفوري وعدد غير يسير من قيادات الأحزاب المعارضة للحكومة، فإن ما يلفت النظر وجود السيد مني أركو كبير مساعدي الرئيس ووقوفه بالمدخل الرئيسي لقاعة المؤتمر في استقبال وفود الداخل والحركات، وحضوره للتوقيع بين الطرفين يمثل الترحيب الكامل والدعم والمباركة، وإن توحد الحركات تحت مظلة التحرير جعل كل الأطراف تجد فيها ملامحها الشيء الذي سوف يعجل بالاتفاق النهائي بين الطرفين، ويبقى اكتمال السلام بتنازل العدل والمساواة عن النهج الإقصائي والجلوس مع شركاء القضية. ولله الحمد