بعد وصوله إلى إحدى الدول الآسيوية بأيام، في ساعة متأخرة من الليل، سقط طفله على الأرض، وأصيب بنزيف في رأسه، أخذه مسرعاً بسيارته إلى أقرب مستشفى. حاول الاتصال بالإسعاف، ولكنه لا يجيد اللغة بعد، وصل المستشفى، وتوجّه مسرعاً إلى قسم الطوارئ، ووجد أمامه ثلاثة من المسعفين، ومعهم سرير في استقباله، تعجب وقال: ربما أن زوجته اتصلت بهم، وأخبرتهم بحال طفلهم، ما أن توقفت سيارته، حتى فتحت الأبواب، فحملوا الطفل سريعاً على سرير، مسرعين إلى الطبيب وهو من خلفهم.. لم يسأله أحد: أين الملف؟ ومن يعرف؟ أو مكان عمله؟ أو يقول له أحدهم: (آسفين نحن مضربين!!) بعد ساعة تم تضميد الجرح، وخرج الطبيب معه إلى سيارته.. يقول صاحبنا: (كانت المفاجأة أن رأيت المسعفين الثلاثة، ومعهم السرير في وضعهم الأول، حينما وصلت فعلمت أنهم يومياً على هذه الصورة لأنهم يستعدون للحالات الطارئة) .. هذه الحادثة بالطبع في المستشفى وليست في (الميز) ودون من ولا أذى، والدافع (Motivation) و (الحافز) إنساني، وما هو بسياسي؛ لأنها مهنة الطب والأطباء بلا حدود، عطاءً غير محدود، بأسوار من نار أو دولار!! وإن شئتم أيها الأطباء بوزارة الصحة (جميعاً) أنصحكم أن تأخذوا الحكمة من الدكتور الأسطورة (محمد مهاتير) والذي درس الطب، وتخرج طبيباً في جامعة الملاي في عام 1946م بماليزيا، وقد ألف في الفكر والحضارة، ووصلت من الدخل القومي إلى 10 آلاف دولار سنوياً!! ولم يطرح أفكاره هذه من برج عاجي، بل كانت كتاباته استجابة للتحديات، وحلولاً للأزمات، وتخطيطاً للإنجازات، بلا (إضرابات)، إنها قدرة !! الطبيب محمد مهاتير، مبادراً ومسارعاً بيده(الطبية) الطيبة إلى حل (معضلة الملايو) والذي يعد أول مؤلف له يلج به ميدان الكتابة والتأليف، وقد حقق به سياسات إنتاجية وتنموية، خاصة في مجالات الصحة والتعليم، إنه يدري ما يفعل بالضبط، فهو رجل الفكر والإنجاز في آن، هو الطبيب الذي تحول إلى أعظم مفكر، وصاحب نظرية للطفرة الآسيوية. التركيز اليوم مازال على موظفي الخدمة المدنية، من حيث درجة المهنة في العمل؛ لخلق نظرة تطلعيّة للأمام، المزيد من الانضباط، النوعية، الانتاجية، الابتكار، التكامل، المساءلة، المرونة، خدمات حكومية تتماشى مع متطلبات وتحديات التغيير المتسارع في السوق، هكذا أطلقها دعوة صريحة للتعامل مع الوظيفة العامة من حيث أنها خدمات حكومية تحتاج منا الضبط والانضباط، ونهدي إلى الأخوة بالصحة قول عمر -رضى الله عنه- :كيف يهتدي المستدل المسترشد إذا كان الدليل حائراً!!. إن الورم الكبير (الإضراب) الذي ظن الآخرون أنه شحم وعافية! تطور من مجرد إضراب، من أجل حقوق زهيدة (وهي تحتاج لوقت لمعالجتها) إلى مزاد علني في الساحة السياسية، ولا يخلو باطن الأمر من المكر والدهاء (التوقيت).. الأمر الذي قد يظهر لجنة الإضراب، بأن تبدو أمام وسائل الإعلام ناصعة كبياض وملاءات الأسرة الخاصة، ولكنها في الحقيقة غير ذلك!! ولا أخفي إعجابي بالأنموذج المهاتيري، والذي إذا ما قورن بواقعنا، نتقازم حياءً وخجلاً، فلجنتنا الموقرة ظلت تحدد أسقفاً زمنية لتنفيذ الإضراب، ومهاتير يتحدث عن وثيقة رؤية 2020م لماليزيا، ولجنتنا سحبت جميع النواب من أقسام الحوادث والطوارئ، وهددت بسحب الأطباء العموميين والامتياز خلال الفترة القادمة، وسحب الاختصاصيين، وتقديم استقالات جماعية، بسبب عدم الاستجابة لمطالبها، المتمثلة في تحسين الأجور وشروط الخدمة من بيئة العمل والميزات، والطبيب مهاتير يتكلم عن رؤية تتسم بنظام حكومي إداري، يستند على رسالة (Mission Oriented) يتأصل فيه تقديم روح الخدمة ذات الجودة المتميزة. وإذا كانت ماليزيا وانطلاقتها بغير موارد، فإننا نملك الموارد، وإن كانت لها إرادة، فإن عزيمتنا فاترة، بل منعدمة، وإن كانواو يقدمون مصلحة العمل على المصالح الشخصية، فلسان حالنا يغني عن مقالنا، وإذا كان احترامهم لعنصر الوقت هو السبب في تقدمهم، فلسنا بحاجة لهذا المورد، الذي يهدر في الإضرابات، أو في الجلوس الطويل للمفاوضات. وما دام حال الصحة في بلادي (لا يسرّ) ولجنة الإضراب مصرة على الاستمرار قدماً في مشوارها، حتى النهاية، دون الرضوخ أو الاستماع لأي حل، مما جعلها أعقد من (معضلة الملايو) وحار مرضانا ما بين مثلث (المجلس الطبي والوزارة والميز) وبسؤال بريء: ما هو السر الدفين بالميز!! مجرد سؤال!. وإلى أن نصل لحل (للأزمة) والتي تتطلب منهج (فن إدارة الأزمات) وإزالة مسبباتها الإدارية الظاهرة، كالضغوط (الإضراب) وبناء المهاترات القيادية.. وغيرها.. وإلى أن يحين ذلك الموعد العرقوبي، سيما وعقليتنا وهمتنا لا زالت متمترسة بالمصالح الشخصية، دعونا نردد مع شاعرنا الأديب (تاج السر الحسن): عندما أعزف ياقلبي.. الأناشيد القديمة ويطل الفجر في قلبي.. على أجنح غيمة سأغني آخر المقطع.. للأرض الحميمة للظلال الزرق في غابات كينيا والملايو لرفاقي في البلاد الآسيوية للملايو.. ولباندونق الفتية