إعلان عدد من الأحزاب في تحالف جوبا عن انسحاب مرشحيها من الانتخابات الرئاسية في السودان الذي جاء في مساء الخميس الأول من أمس، تناوله الكثيرون وتداولوه كأنما هو (كذبة إبريل) لأنه صادف اليوم الأول من هذا الشهر الذي يبدأ بالأخبار الغريبة.. ونحن لا نريد القول بذلك أو أنه مزحة.. لكننا نحاول أن نرى قدر الإمكان ما وراء هذا الدخان الكثيف الذي أطلقته مجموعة من الأحزاب مع اقتراب ساعة الجد والانتخاب.. وقبل أن نستطرد في الاستنتاج أو التحليل نريد القول مع الشاعر: وما نيل المطالب بالتمني *** ولكن تؤخذ الدنيا غلابا ويكون هذا مدخلنا لمطالبات المنسحبين بتأجيل الانتخابات إلى نوفمبر المقبل وتشكيل حكومة قومية إلى ذلك الوقت، وفي هذا خروج عن نصوص وروح اتّفاقية السلام الشامل التي جاءت الانتخابات ويأتي استفتاء تقرير المصير وقبلهما الدستور الانتقالي كمستحقات لها، وتصبح أي مطالبة بالتأجيل أو التعطيل أو أي دعوة لتكوين حكومة قومية خروجاً عن النص السياسي المتّفق عليه قبل خمس سنوات، ومثلما أشرنا من قبل - أكثر من مرة - فإن الحركة الشعبية لتحرير السودان أرادت استغلال مجموعة جوبا لخدمة أهدافها الخاصة في مرحلة خاصة، لكنها تخلت عن المجموعة بصورة مفاجئة عندما لم تشارك في اجتماعاتها المحددة من قبل وأعلنت عن سحب مرشحها لانتخابات الرئاسة لتقع المفاجأة وقوع الصاعقة على أعضاء المجموعة التي لم تر بداً من إقتفاء أثر الحركة في سحب مرشحها لانتخابات الرئاسة لأسباب موضوعية قدّرتها قيادتها، ولكنها أعلنت استمرارها في الانتخابات وتمسكت بالموعد المحدد لها، الأمر الذي هزّ ثقة بقية الأحزاب فيها وقد كانت تؤمل كثيراً في أن تكون المواقف واحدة موحدة. ومن خلف سُحب الدخان الكثيفة الناتجة عن هذا الموقف لابد من تحري الدقة في النظر إلى المشهد السياسي قبل الذي حدث، ثم تدقيق النظر في ماهو مرتقب وقادم، لأنه بعد لقاء السيد محمد عثمان الميرغني زعيم الختمية ورئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي بالمشير عمر حسن أحمد البشير رئيس المؤتمر الوطني ومرشحه للرئاسة ترددت أنباء- لم ينفها أحد- بأن اتفاقاً قد تمّ للتحالف بين «الوطني» و«الاتحادي» قضى بأن يسحب الأخير مرشحه للرئاسة وهو الأستاذ حاتم السر لصالح مرشح الوطني السيد عمر حسن أحمد البشير، وأن ينسحب مرشحو «الوطني» في بعض الدوائر لصالح مرشحي الحزب الاتحادي، وربما في عدد من الولايات بالنسبة للمرشحين لمنصب الوالي.. وهذا أمر لا نستبعد حدوثه وهو جائز في لعبة السياسة والتحالفات. الحزب الشيوعي أقرّ على لسان مرشحه للمنصب الرفيع الأستاذ محمد إبراهيم نقد أكثر من مرة بأن حظوظ مرشح الوطني في الرئاسة هي الأوفر وكذلك فوز الحزب في عدد كبير من الدوائر، لذلك يصبح انسحاب الأستاذ نقد مُجرد (تحصيل حاصل). أما انسحاب السيدين المهدي (الصادق ومبارك) فيبدو للعيان كأنما هو (حل) جاء من السماء للرجلين اللذين يرفض كل منهما التنازل للآخر رغم المصالحة (الشكلية) التي تمت بينهما والوحدة (المصنوعة) بين حزبيهما حيث إن الأسباب التي قادت للخلاف لم تزل قائمة. بعض قادة هذه الأحزاب ظنوا أن الشعب السوداني هو (الخاسر) بانسحابهم وأنه (مسكين) مع علمهم بأن القرار قراره، وأن الأمر في يده لا يد «عمرو« أو «زيد» لذلك لن يكون هناك (مسكين) سواهم.