بيني وبين المتنبئ اليوم ونحن نهتم بالشأن الثقافي، نتحدث عن أديبنا الكبير الباحث والكاتب والناقد أبو القاسم بدري، الذي ودع هذه الدنيا وانتقل إلى دار الخلود في شهرنا المنصرم، وتتنوع أوجه العطاء الثر، التي أسهم بها أبو القاسم بدري منذ نعومة أظفاره، بل منذ التحاقه بالمدارس العليا في 1934م إلى حين رحيله في عامنا هذا 2010م، أي طوال 76 عاماً من عمره المديد، الذي ينوف على 94 عاماً.. وخلال تلك الفترة إلى جانب اسهامه في كافة مناشط الحياة الأدبية، قدم أبو القاسم بدري أربعة عشر مؤلفاً لمكتبتنا العربية والسودانية، أشهرها كتابه المعروف (الشاعران المتشابهان)، الذي أصدره في 1954م، والذي يقارن فيه بين الشاعرين الكبيرين أبو القاسم الشابي، والتجاني يوسف بشير. وأدبينا أبو القاسم بدري وهو يصدر ذلك الكتاب، كان يدرك أنه يقارن بين هذا الشاعر الفذ أبو القاسم الشابي، وبين شاعر خطير فذ عبقري فرد بين أبناء جيله، هو صاحب إشراقة العبقري الموهوب، فلتة عصره وجيله، (التجاني يوسف بشير).. أملي في الحياة مصراً.. نضر الله مستودع الثقافة مصر والذي أدرك بحسه وبقلبه، أن مصر هي هبة النيل، وهي الشقيق التوأم لوطنه الآخر السودان، فغنى لهما معاً عبر النيل الفياض الدفاق. أنت يا نيل ياسليل الفراديس نبيل موفق في مسابك قدم أديبنا الراحل أبو القاسم بدري ثلاثة عشر كتاباً من مؤلفاته، تتناول قضايا الأدب، والثقافة، والتراث، والتاريخ، والتراجم، والغناء، والطفولة، والأسرة.. كما تناول قضايا المسرح الشعري، الذي أسهم فيه بمسرحيته الرائدة التي نشرها في 1954م بعنوان: الخليفة عمر بن عبد العزيز- وهو نفس العام الذي نشر فيه كتابه الكبير (الشاعران المتشابهان).. وفي مجال التراجم فمن أهم كتبه كتاب (موسى أبو حجل) في 1964م، وكتاب (الشيخ فرح ود تكتوك) 1953م، وكتابه (أيام زمان) الذي يحمل انطباعات، ومواقف، وذكريات شخصية للمؤلف الكبير.. وفي هذا الجانب جانب التأليف والإبداع، فمن أجمل ما كتب أديبنا الراحل أبو القاسم محمد بدري، ذلك الحوار الجميل الذي أجراه بخياله الخصيب بينه وبين شاعر العربية الفذ أبو الطيب المتنبئ، ذلكم الأديب الخطير والشاعر المغرد الذي قال صادحاً: أنا الذي نظر الأعمى الى أدبي وأسمعت كلمات من به صمم أعيذها نظرات منك صادقة أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم وما انتفاع أخي الدنيا بناظره إذا استوت عنده الأنوار والظلم إذا رأيت نيوب الليث بارزة فلا تظنن أن الليث يبسم ولعل من أبلغ ما أشار إليه الأستاذ أبو القاسم محمد بدري في هذا الجانب قول المتنبئ.. وهو يقول لأبي القاسم- ماذا تريد يا فتى من حديث أقوله أما كفاك قولى: وما تسع الأيام علمي بأمرها وما تحسن الأيام تكتب ما أملي ألا رحم الله أبا القاسم بدري وأجزل له، بقدر ما أعطى لوطنه ومواطنيه وأمته العربية والإسلامية.