اعتذر في البداية للقارئ الذي يتابع هذا الباب (شئ من فكر)، عن استخدامي هذا العنوان الدارج الذي أضطررت إليه، ولم أجد غيره في وصف مواقف أحزاب المعارضة من الاستحقاق الانتخابي، الذي لم يتبق له سوى أيام قلائل. وهو موقف يمكن أن نوجزه في هذه التقلبات المحيرة التي أربكت قواعد هذه الأحزاب نفسها، بينما زعامات هذه الأحزاب تتخذ الموقف والموقف المناقض دون الرجوع اليها. 1/ طلب بالتأجيل لمدة ستة أشهر، ثم تراجع إلى شهر واحد، دون مسوغ حقيقي، سوى حفظ ماء الوجه!. 2/ إنسحاب مفاجئ، ثم عودة، فانسحاب ثم التفكير في العودة!. 3/ انسحاب جزئي، وآخر كلي، وربما مشاركة كاملة. 4/ قائمة من المطالب طويلة لاشتراط المشاركة ثم تناقص هذه المطالب نحو التلاشي. 5/ تحالف واسع للمعارضة ثم أخذ يتفكك إلى مواقف فردية، تراعي المصلحة الذاتية لكل حزب. 6/ حزب صاحب موقف ثابت هو المقاطعة في سائر مستويات الانتخابات، وكأنه كان سيفوز ولو بمقعد واحد في مجلس تشريعي ولائي، وهو موقف انتهازي، لأنه يظهر التضامن مع تحالف المعارضة عبر القائم، بينما هو في الحقيقة يتجنب السقوط الكاسح المحتوم في سائر المستويات، فهو يعاني من عقدة اثبات الشرعية التي لا يحققها له هذا الانسحاب الانفرادي. 7/ طعن في مفوضية الانتخابات، ثم تراجع عن هذا الطعن، بعد أن أشاد المبعوث الامريكي بالمفوضية، وبشر بنزاهة الانتخابات!. ما هذا التخبط الذي تمارسه أحزاب المعارضة، والذي لم تمارسه أية معارضة لا في السودان من قبل، ولا في أي من دول المنطقة، أو دولي العالم؟ أهو بسبب الحملات الانتخابية التي خاضتها مع الحزب الحاكم، وتبين لها أنه هو الرابح لا محالة، كما أكدت ذلك استطلاعات الرأي، وتصريحات المسؤولين في الغرب، وبخاصة في الولاياتالمتحدة، أم هي بسبب الحملة الانتخابية للرئيس البشير التي أثبتت أن اسقاطه من رابع المستحيلات، حتى من الجولة الأولى، بل من اليوم الأول، فكأن مواقف المقاطعة جزئياً أو كلياً بمثابة هروب من السقوط الذي لا تحتمله زعامات عريقة، وهو يحدث لأول مرة لها، كما هو فرصتها الأخيرة بحكم تقدم السن. نحن(متلفزون) على الهواء مباشرة اقليمياً وعالمياً، فالعالم الخارجي يضعنا في دائرة الضوء، فلتقلع أحزاب المعارضة عن هذه الممارسات الهروبية التي أدركها الشعب وفهمها العالم، فمحاولاتها لخلط الأوراق والتمويه على المنافسة الحرة أمام شعب هو أوعى منها بكثير، إنما تسيئ إلى سمعتها، وسمعة البلاد بأسرها، فقد دخلت القوى السياسية في عمق التحول الديمقراطي، فلا تنكص عنه بهذه المغالطات المكشوفة، التي تحمل هذه الدلائل. أ/ إن هذه الأحزاب المعارضة لم تستوعب حتى الآن عملية الترشيد السياسي، لممارسة التحول الديمقراطي عن كفاءة وقدرة. ب/ وإذا كانت هذه ممارساتها العاجزة أثناء الانتخابات، فممارساتها في السلطة أو المعارضة ستكون أكثر عجزاً. ج/ إن تغيير المواقف من الانتخابات فجائياً ومتسارعاً، يدل على التردد في صنع القرار، وهو ما لا يؤهلها لمستقبل السلطة التي تقتضي الصمامة في بلورة القرار، خصوصاً في القضايا القومية الجوهرية. د/إن هذه الزعامات، من هذه المواقف الارتجالية يبدو أنها لا تأخذا برأي قواعدها، فهي أحوج ما تكون إلى الممارسة الديمقراطية داخل أطرافها التنفيذية، قبل أن تمارسها في السلطة خارجياً. ه/ فلتواجه هذه الأحزاب الاستحقاق الديمقراطي بشجاعة، فهي انتخابات لابد أن تكون نزيهة، وببساطة لابد للحزب الحاكم تمريرها كذلك، وقد ثبتت له عدة معطيات تشير إلى أنه هو الخيار الأرجح، أما هذه المواقف المتخبطة من المعارضة التي تسعى لخلط الأوراق وتمويه المنافسة الحرة، فهي لا تجوز على الشعب وعلى العالم، فلنكسب لبلادنا سمعة سياسية بأننا نقدم انتخابات مثالية، ولئن فاتنا قطار السلطة، فالمعارضة القوية برقابتها الرشيدة هي الطرف الآخر للحكم الراشد، فلتعودوا لخيار المشاركة، حيث إن قواعدهم قد تهيأت لها، وهي ستعذركم إن لم يحالفكم التوفيق.