طالعتُ مثل كثيرين غيري إعلاناً في واحدة من صحف الخرطوم اليومية عن بيع سيارة موديل 1993 على (الزيرو) تم تخزينها منذ لحظة شرائها واقتنائها حتى يومنا هذا (!) لا أعرف طبعاً أسباب التخزين ولا الحكمة منه، ولو كان للسيارة عقل لذهلت حال خروجها من الكهف أو المخزن الذي حُجزت بداخله لمدة سبع عشرة سنة دون أن تتحرك قيد أنملة- أو كما نقول- بسبب ما طرأ على الشوارع من تحسينات في البنيات والشكل، وبسبب ما تحمله من مركبات من كل شكل ولون وبلد، مركبات مختلفة من سيارات وشاحنات وحافلات ودراجات نارية وغير نارية حديثة في وقت أخذت فيه المركبات القديمة تتراجع حتى لم يعد لها وجود إلا في بعض مواقف سيارات التاكسي العتيقة حيث (الهيلمان 60) وكل أنواع (الكرونات) مع سيارة أو اثنتين من نوع (الموسكوفتش).. وكل هذا الآن في طريقه للاختفاء والزوال بالمشروع الجديد الذي تبنته وزارة الشؤون الاجتماعية في ولاية الخرطوم والمعروف باسم (مشروع التاكسي الجديد). موضوع السيارة المٌعلن عنها ليس هو ما نريد التعليق عليه بالدرجة الأولى، بقدر ما نريده- أي الموضوع- مدخلاً لموضوع آخر، سياسي بالضرورة في ظل الأحداث الكبرى التي تشهدها بلادنا وأبرزها الانتخابات وما أفرزته من بضاعة كاسدة وقديمة لبعض الأحزاب عفا عليها الزمن ولم يعد يحتاجها أحد ومع ذلك ترّوج لها تلك الأحزاب مثل الذي يروّج لبضاعة في (سوق الظلام). الذي أريد قوله ان المنادين بالمقاطعة إنما يضرون أنفسهم ويتراجعون إلى ما وراء الصفوف الخلفية في دوائر اهتمامات المواطن لأن الذي يريد أن يحكم الآن عليه أن يقترب من الناس ومن قضاياهم ومشاكلهم وألا يعمل من أجل حل المشكلات فقط بل عليه أن يعمل على رفاهية العموم.. وأحزابنا للأسف الشديد أثّر عليها الغياب الطويل عن ساحات العمل، ولم يعد لها ما يربطها بقوة- أو بضعف- مع قواعدها القديمة أو تلك التي تسعى لأن تجعل منها قاعدة جديدة. المقاطعة الآن سلاح صديء وقديم من العصر الحجري السياسي لن يضر إلا صاحبه.. فالذي يريد أن يحكم اليوم أو غداً عليه أن يشارك في كل مؤسسات الحكم بمختلف مستوياتها، وأن يكون قريباً من حيث تصنع التشريعات في البرلمان ويتم رسم سياسات الدولة في المجالس التشريعية المختلفة، وقريباً من مراكز صنع القرار، حتى تكون هناك صورة كاملة للمشهد العام أمام أعين الأحزاب الجادة الساعية للحكم.. وهذا حقها. لا نُريد لساستنا الكبار أن يروجوا لبضاعة عفى عليها الزمن وأن يُنادوا عليها في سوق الظلام.