أخطأ النائب الأول لرئيس الجمهورية في عملية التصويت ونقلت وكالات الأنباء (الخارجية) طبعاً خبراً من بلادنا عن خطأ نائب رئيسنا الذي اعترف للإعلام الأجنبي بأنه لأول مرة في حياته يصوت في الانتخابات، وقديماً كان العرب يحرصون على متابعة إذاعة لندن لمعرفة أخبار بلدان العرب. النائب الأول لرئيس الجمهورية يبلغ من العمر ما فوق الستين عاماً، ولأن السودانيين كعادتهم يعتبرون أعمارهم أسراراً خاصةً لا يجوز الاطلاع عليها حتى اليوم لا يعرف السودانيون كم يبلغ عمر الترابي ونقد والميرغني وعمر البشير، والوحيد الذي يحتفي بعيد ميلاده كل عام هو السيد الصادق المهدي لكنه احتفال لا تبرز فيه شهادة ميلاد الإمام الصادق الصادرة من مستشفى ولادة متخصص في الخرطوم أو لندن، وهي بالطبع تختلف عن شهادة ميلاد وقَّع عليها (علي نوجه) حيكمباشى مستشفى الدلنج. نائب رئيس السودان الذي قال للصحافيين الأجانب إنه لأول مرة يصوت في حياته يتولى منصب رئيس حزب يرفع شعارات الديمقراطية وينادي بالحرية، وداخل هذا الحزب (جيوب) لمجموعات تطلق على نفسها الديمقراطيين، وهم متحالفون مع الحركة الشعبية باعتبارها تنظيماً ديمقراطي، ولا جدال في ديمقراطية الحركة الشعبية لكننا نتساءل إذا كان رئيس الحركة الشعبية لم يصوت في حياته حتى بلغ من الكبر عتياً وتولى منصب النائب الأول للرئيس، فأي ديمقراطية تُرتجى ومتى يتعلم هؤلاء الديمقراطيون مبادئ الديمقراطية!! في تلفزيون جنوب السودان الذي تمثِّل اللغة العربية فيه الوسيط اللغوي القادر على مخاطبة الجميع قال نائب رئيس الحركة الشعبية جيمس واني أيقا بلهجة عربي جوبا وبصراحته الشديدة وطريقته المسرحية في مخاطبة الجماهير «أنا مرشح حضرت لمركز جامعة جوبا لأصوِّت فلم أجد صناديق الاقتراع وسقط أسمي من كشوفات الناخبين يا جماعة دي طريقة دي».. وحده المؤتمر الوطني- بأدب شديد وحياء- جامل المفوضية ولم يوجه انتقادات لها رغم قصورها الشديد وأخطاء اليوم الأول وتحسن الأوضاع في اليوم الثاني وبفضل الجهود التي بذلت، ولكن المفوضية بدأت وكأنها ترسم حدوداً فاصلة بين الجنة والنار وكأنها تبحث عن إبرة في كومة من العشب الجاف ومن الخطل وسوء التقدير أن نتوقع من مفوضية نشأت قبل عامين فقط إدارة انتخابات بهذه الضخامة.. رغم أن الأمين العام للمفوضية د. جلال محمد أحمد عرفه الشعب السوداني بالاستقلالية والنزاهة و (جربوه) في انتخابات عام 1986م ونجح في تلك المهمة.. لكن التطعيم قد يكون سبباً مباشراً في إخفاق المفوضية، حيث جاء التطعيم بالفريق شرطة الهادي محمد أحمد مسؤول الشؤون الفنية، وكل الأخطاء التي حدثت فنية فهل يتحملها رئيس اللجنة الفنية وحده!! أم يشاركه آخرون من أعضاء المفوضية!! الانتخابات في السودان كما جرت العادة يشرف عليها المعلمون لكن الحكومة منذ 1989 هجمت على المعلمين وأخذتهم عنوة لمناصب المحافظين والمعتمدين والولاة، و 70% من المرشحين الحاليين من قدامى المعلمين ومن ضباط الجيش والشرطة والأمن المتقاعدين وما تبقى محامون و (شوية دكاترة) وأقلية صحافيين!! والعنصر الثاني المهم في العملية الانتخابية هم الضباط التنفيذيون وهؤلاء كسرت الحكومة عظمهم وشتت شملهم وجعلتهم هم وأولادهم كتبة الأسواق غنيمة للسياسيين.. لذلك طغى على العاملين في حقل الانتخابات العنصر الشبابي دون سن الثلاثين عاماً، وهؤلاء حالهم مثل سلفاكير، لم يسبق لهم الاشتراك في الانتخابات والسبب في ذلك الحكومة الشمولية التي غربت شمسها الآن وما عاد هناك من يبكي عليها.. شكراً للمفوضية رغم الأخطاء وشكراً للذين عاتبوني بالأمس على ما كتبت لكني ما عدت أبالي بشئ فكلما أكتب كلمة أخسر صديقاً وكلما زرعت شجرة يبست غابة وكلما حصدت سنبلة جُعت دهراً..