اتجهت أكثر الفضائيات المحلية والإقليمية والعالمية إلى السودان خلال الفترة الماضية والحالية، وسوف تستمر خلال الفترات القادمة، في محاولة لاستقراء الواقع السياسي، والمتغيرات المتوقعة، بعد أن تمت عملية الانتخابات، رغم انسحاب المنسحبين، واحتجاجات الخاسرين. واتجهت نحو المحللين السياسين والصحفيين لاستجلاء الحقائق الموضوعية، خاصة في مواقف المنسحبين، وأبرزهم حزب الأمة القومي، وفي مواقف المحتجين، وأعلاهم كعباً الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، الذي كان من المشاركين، ولكنه ليس من المباركين. وظللنا باستمرار هدفاً للفضائيات والإذاعات العربية والغربية؛ للتعليق على الأحداث، وإبداء الرأي حولها، وتركز الحديث بكثافة على موقف مولانا محمد عثمان الميرغني الأخير، وقد تناول تلفزيون السودان هذا الأمر يوم أمس، وجعل مني ضيفاً لمدة ساعة؛ للتعليق على ما ورد في الصحف من أخبار أو آراء، مع استصحاب المواقف السابقة للقوى السياسية، التي تساعد في تحليل تلك المواقف، وكان أحد أبرز تلك الأخبار الموقف (المتغيّر) للحزب الاتحادي الأصل، حول مشاركته في الحكومة القادمة إذا ما تم تنفيذ برنامجه، وقد جاءت تلك التصريحات على لسان أحد قيادات الحزب الاتحادي الأصل، وهو السيد المهندس محمد فائق يوسف، وقد ذكرتُ أن التصريحات تجيء دائماً متناقضة أو متضاربة داخل الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل وكذلك المواقف.. مستشهداً بما حدث عندما أعلن مرشح الحزب للرئاسة، السيد حاتم السر، عن انسحاب الحزب من السباق الرئاسي؛ ليصدر الحزب أمراً بالمواصلة، ثم جاءت (لاءات السيد حاتم السر الأربعة) التي نشرتها الصحف يوم أمس الأول، وهي: لا اعتراف بنتائج الانتخابات، ولا مشاركة في الحكومة، ولا ولا ولا ولا.. لتجيء تصريحات المهندس محمد فائق يوسف رداً على ما قال به السيد حاتم السر. سألني مقدم البرنامج: إن كان هذا التناقض أو التضارب في الأقوال والمواقف يعني وجود خلافات داخل الحزب، فأجبت بأن هذا لا يعني وجود خلافات، بقدرما يعني وجود تيارات داخل الحزب، وليس في هذا الأمر منقصة، إذ أن نشأة الحزب الاتحادي جاءت بعد توحيد كل الأحزاب الاتحادية في حزب واحد، قبل الاستقلال حمل اسم الحزب الوطني الاتحادي. لكن الذي كان محيراً بحق هو موقف زعيم طائفة الختمية، رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي، مولانا السيد محمد عثمان الميرغني، الذي أعلن رفضه لنتائج الانتخابات، وهو لم يقترع أو يصوت لمشرحي حزبه.. لأنه إذا كان هذا هو موقف (الرئيس) فكيف تكون مواقف (العضوية)؟.. ثم جاء الموقف الأكثر غرابة بمغادرة السيد الميرغني لأرض الوطن قبل أن تنجلي المعركة، وغبارها مازال عالقاً في الفضاء، ويجيب على هذا التساؤل المشروع بعض قيادة الحزب الاتحادي، بالقول: إن هذه الرحلة كان مرتباً لها من قبل!! حقيقة نحن لدينا معلومات كثيرة توافرت لدينا، وقد لا تكون متوافرة بذات القدر لعدد كبير من قيادات الحزب الاتحادي، حول اللقاءات التي تمت بين قيادات المؤتمر الوطني، وبين قيادات الحزب الاتحادي، منها السرِّي، ومنها العلني، ومعلومات حول التردّد في اتخاذ موقف محدّد حول بعض القضايا المتصلة بالحكم، والمشاركة فيه، للدرجة التي تجعل من شخصية قيادية كبيرة داخل الحزب، مثل مولانا السيد محمد عثمان الميرغني، تحجم عن الفصل فيها بدعوى أن له (شورة).. ونحن نعلم أنه لا يحتاج إلى تلك (الشورة) -على الأقل في الداخل- رغم أن الذي قام بلقائه ومقابلته ومفاوضته هو شخصية قيادية كبيرة لها وزنها داخل المؤتمر الوطني.. وقد كان ذلك هو اللقاء الأخير (السري) الذي غادر بعده مولانا إلى الخارج.