في بداية هذا التحليل والتقييم مازلنا نحتفل ونحي أصالة وحضارة الشعب السوداني، وتفاعله مع هذه الانتخابات بعد انقطاع دام لأكثر من عقدين بغرض التحول إلى ممارسة حكم ديمقراطي عن طريق صناديق الاقتراع، مؤكداً أن الشعب السوداني قد وقف مواقف حضارية في ساحات العمل السياسي، مما أجبر الكثير من المراقبين الدوليين للاعتراف بنزاهة وشفافية الانتخابات، وانتظام صفوف المقترعين حول صناديق الاقتراع، وعلى هذه التجربة الانتخابية نود الوقوف بطريقة تفصيلية مع المعارضة، حيث لم يكن نقدنا لها تقليلاً لوزنها كأحزاب لها تاريخ ناصع في الساحة السياسية السودانية، منذ استقلال السودان ونضالها ضد الاستعمار البريطاني، وحتى مغادرته للأراضي السودانية، ومهما كانت النتائج التي أحرزتها المعارضة السودانية في هذه الانتخابات عليها إعادة تقييم تجربتها الحالية، وعدم التشكك في نتائجها مع دراسة الاخفاقات التي فقدت خلالها كثيراً من قواعدها وجماهيريها أثناء فترة حكم الإنقاذ.. ومراجعتها لأوضاعها التنظيمية على أساس تطبيق أسس الشورى والديمقراطية داخل تنظيماتها السياسية، والعمل على لملمة أطرافها السياسية، والعودة إلى قواعدها وجماهيرها بإقامة المؤتمرات لدراسة وتقييم هذه التجربة، من منطلق النقد الذاتي والاخفاقات التي صاحبت ممارساتها السياسية، منذ استيلاء الجبهة الإسلامية للسلطة في السودان عن طريق الانقلاب العسكري عام 1989م، بعد إخفاق الحكومة الديمقراطية التي اعقبت الانتفاضة الشعبية في عام 1985م ضد الحكومة المايوية، وقد اعتمدت المعارضة في فترة حكم الإنقاذ على التخطيط والعمل على الإطاحة بتلك الحكومة مع رفض المعارضة المشاركة والدخول في حوار بعد عودتها إلى داخل السودان مع السلطة في محاولة للتعامل مع القضايا المصيرية التي كان لها تاثير سلبي على وحدة واستقلال السودان، اضافة إلى أن بقاءها خارج السودان لفترة أعقبت انعزالها عن الساحة السياسية، وانقطاعها عن قواعدها وجماهيريها لفترة طويلة، الأمر الذي كان له تداعيات سلبية أدى إلى تحول سياسي كبير نحو وضع تلك الأحزاب لبعدها عن الأجيال أثناء حكم الإنقاذ لفترة عقدين، مما خططت له تلك الحكومة بعد توقيع اتفاقية نيفاشا بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان في العام 2005م، وبعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، عمدت تلك الحكومة على تنفيذ المشاريع الخدمية والاقتصادية، التي كان لها الأثر الكبير على قطاعات الشعب السوداني على جدية حكومة الوحدة الوطنية على التغيير العام للوضع الاقتصادي، بهدف وضع القدرات المطلوبة في تنمية الوضع الاقتصادي. وعلى هذا كان من البديهي أن النتيجة التي أحرزتها المعارضة في هذه الانتخابات كانت بحق وحقيقة مخيبة لآمالها في الوسط السياسي السوداني، ولكن وبالعكس ومن الناحية الأخرى كانت كثير من قطاعات الشعب السوداني متعاطفاً مع المؤتمر الوطني للإدلاء بأصواتهم في صناديق الاقتراع، من منطلق عدم جاهزية المعارضة، وعدم وجود مؤسسات تنظيمية داخل تلك الأحزاب لقيادة العمل السياسي لمستقبل السودان القريب. إن اختفاء كثير من كوادر تلك الأحزاب، والتي كانت تمارس العمل السياسي في ساحات المجتمع السوداني، والذي كان له الأثر الأكبر في تدني نصيب الأحزاب التقليدية، إضافة إلى أن تلك الأحزاب قد دفعت بشخصيات لم يكن لها أي تاريخ نضالي في الساحة السياسية السودانية، والذي عمد على عدم تعاطف الجماهير السودانية مع تلك الأحزاب، التي عليها أن تدارك هذا الوضع، الذي قد شكل هاجساً وسط المجتمع السوداني، وخروجها من المنافسة السياسية لتداول السلطة مستقبلاً. إن الدعوة التي أطلقها المشير عمر حسن أحمد البشير في ولايته القادمة، باشراك كل القوى السياسية في تشكيل الحكومة القادمة، له دلالة واضحة لعدم انفراد حزب المؤتمر الوطني بالسلطة، حسب النتائج التي أفرزتها الانتخابات، واحراز حزب المؤتمر الوطني على الأغلبية الكبرى مع منافسيه في تلك الانتخابات، وعلى المعارضة ألاَّ تستهين بتلك الدعوة في المشاركة السياسية في تشكيل الحكومة القادمة، من منطلق فرصة الالتصاق بهموم الشعب السوداني، والمشاركة الفعالة بعيداً عن التشنج وردود الأفعال، التي لا تخدم مصالح تلك الأحزاب وجديتها في تطور وتقدم السودان، في الوسط الاجتماعي، والثقافي، والاقتصادي، وخصوصاً في الفترة القادمة.. حيث يواجه السودان تحديات التمزق والانفصال بين الجنوب والشمال.