يتوجه أكثر من 16 مليون ناخب، اليوم الأحد إلي مراكز الاقتراع لانتخاب رئيس الجمهورية، ورئيس لحكومة إقليمالجنوب الذي يتمتع بحكم ذاتي، وبرلمان قومي وحكام 25 ولاية، وبرلماناتها المحلية في أول انتخابات تعددية تشهدها البلاد منذ 24 عاما، بعد ان ظل متقلبا بين فترات ديمقراطية وعسكرية. ويتنافس على المواقع الدستورية والتنفيذية والبرلمانية القومية والمحلية 14155 مرشحاً يمثلون 73 حزبا،ومن بين المرشحين نحو 4 آلاف مستقل، ويشارك في تأمين العملية أكثر من 100 ألف شرطي ويراقبها 840 مراقبا دوليا، و232 منظمة محلية و20278 مراقبا محليا ، ويبلغ عدد مراكز الاقتراع في شمال البلاد و جنوبها 13 ألف مركز. و مضى علي البلاد 54 عاماً منذ استقلالها من الاستعمار البريطاني في عام 1956، قضت منها 11 عاماً بين فترتين انتقاليتين، أعقبتهما انتخابات تعددية، أفرزت حكماً ديمقراطياً موؤوداً، و43 عاماً هي عهود عسكرية شمولية، وخلال ما يزيد عن نصف قرن من الاستقلال لا يزال دستور السودان مؤقتاً. وشهد السودان خمسة انتخابات برلمانية في تاريخه، كان أولها الذي أجري في 1953 قبل استقلال البلاد ، وجرت الانتخابات البرلمانية الثانية في 1958،ثم 1965،وآخرها في 1986 التي جاءت عقب الإطاحة بحكم الرئيس السابق جعفر نميري،وشارك فيها نحو 3,9 مليون ناخب،وحصد فيها حزب الأمة بزعامة الصادق المهدي بأكبر كتلة في البرلمان وصار رئيسا للوزراء حتى أطاح بحكمه الرئيس عمر البشير عبر انقلاب «يونيو» 1989،وصار أطول فترة حكم في تاريخ البلاد. وفي كل الفترات الانتقالية السابقة جرت انتخابات في مرحلة تحول ديمقراطي،بعد الانتفاضة الشعبية في 1964 التي أطاحت بحكم الرئيس الأسبق إبراهيم عبود ثم انتفاضة مماثلة في 1985 التي أبعدت الرئيس السابق جعفر النميري عن السلطة،وستكون الانتخابات المقبلة هي الأولى التي ستجري في فترة انتقالية على دست الحكم حكومة حزبية وصلت إلى السلطة عبر انقلاب عسكري. وستكون الانتخابات كذلك مختلفة تماما عن المنافسات التي جرت في السابق ،فلأول مرة في تاريخ السودان ستجرى انتخابات رئاسية متعددة ،كما أنها ستكون في ستة مستويات تشمل انتخاب رئيس الجمهورية وحكام الولايات والبرلمان القومي ورئيس حكومة إقليمجنوب السودان الذي يتمتع بحكم ذاتي،وبرلمان الجنوب ثم برلمانات الولايات.ويعتبرها خبراء معقدة ،اذ يحتاج الناخب الى نحو فترة زمنية ليست قصيرة للإدلاء بصوته في ثلاثة صناديق في شمال البلاد وأربعة في جنوبها ،وبأنظمة انتخابية مختلفة فيها التصويت الفردي في الدوائر الجغرافية، وفيها التمثيل النسبي وفيها اللوائح الخاصة بالنساء ولوائح أخرى للأحزاب ونتائجها تحسب بأساليب مختلفة، فبعضها يتطلب الغالبية المطلقة وبعضها يتطلب الغالبية البسيطة ،ونوع ثالث يأتي عبر النسب التمثيلية، ويزيد الأمر تعقيدا ارتفاع نسبة الأمية ، كما أن نحو نصف عدد الناخبين من الشباب الذين لم يشاركوا في أية انتخابات في حياتهم،مما دفع مفوضية الانتخابات إلى تمديد الفترة المحددة للاقتراع من يوم إلى ثلاثة أيام. وبلغ عدد الذين سجلوا أسماءهم في سجل الناخبين رقماً غير مسبوق، إذ زاد عن 16مليونا، وإذا صوت 60 في المئة من المسجلين فهذا يعني ان عدد المقترعين سيصل إلى عشرة ملايين ناخب مقارنة بالحد الأقصى الذي وصله عدد الناخبين في آخر انتخابات تعددية جرت في 1986م، اذ كان عدد الناخبين نحو أربعة ملايين ، مما يعني أن عدد الناخبين يتضاعف مرة ونصف، والأهم من ذلك هو أن ستة ملايين من هؤلاء سيشاركون للمرة الأولى في حياتهم في الانتخابات. وحظرت مفوضية الانتخابات على الناخبين حمل أجهزة الهاتف المحمول لحظة الاقتراع وذكرت أن نتائج تجارب اقتراع أجرتها أوضحت أن الناخب في شمال البلاد سيحتاج إلى 120 ثانية لإكمال عملية الاقتراع ، فيما سيحتاج الناخب في الجنوب إلى 40 ثانية إضافية ، في وقت تجاوز إجمالي مراكز الاقتراع في السودان 13 ألف مركز منها 9 ألفا في الشمال و4 آلاف في الجنوب. ويتوقع خبراء أن يؤدي ضعف تثقيف الناخبين إلى إلغاء الكثير من أوراق الاقتراع لأخطاء يرتكبها الناخب عن جهل في مثل هذه العملية المعقدة ، ،ومع وجود تقديرات بأن أكثر من نصف عدد الناخبين لا ينتمون إلى أحزاب فإن هناك مخاوف من السلبية وضعف المشاركة. وانتهت الحملة الانتخابية التي استمرت 56 يوما أكثر ويتنافس في الانتخابات في مستوياتها كافة أكثر من 14 ألف مرشح يمثلون 73 حزبا، إضافة إلى 8 متنافسين على رئاسة الجمهورية.،بعد ما انسحب اربعة حتى الآن،ويرجح أن يفوز بالانتخابات الرئيس عمر البشير «66 عاما»المستمر في السلطة منذ يونيو 1989. وبقية المتنافسين على للرئاسة هم مرشحو حزب الاتحادي الديموقراطي «الأصل» حاتم السر»50 عاما» والمؤتمر الشعبي عبد الله دينق «56 عاما»، والاتحاد الاشتراكي الديمقراطي فاطمة عبد المحمود «66 عاما»،والتحالف الوطني السوداني عبد العزيز خالد عثمان «65 عاما»،والحزب القومي الديموقراطي منير شيخ الدين جلاب»49 عاما»،والمرشحان المستقلان الدكتور كامل الطيب إدريس عبد الحفيظ ،ومحمود أحمد جحا أحمد. وكانت الساحة السياسية قد شهدت قبل أيام من مرحلة الاقتراع أحداثاً دراماتيكية بانسحاب ثلاثة مرشحين للرئاسة إلى جانب مرشح الحركة ياسر عرمان، وهم زعيم حزب الأمة الصادق المهدي، والسكرتير العام للحزب الشيوعي إبراهيم نقد، ورئيس حزب الأمة الإصلاح والتجديد مبارك الفاضل. وأكدت مجموعة من أحزاب تحالف المعارضة في ندوة ليل الجمعة الماضي ، عدم اعترافها بنتائج الاقتراع، وأطلقت نداء لمناصريها بالامتناع عن التصويت لأي من المرشحين، لكن أحزاب أخرى هي الاتحادي الديموقراطي والمؤتمر الشعبي و العدالة والمؤتمر السوداني والتحالف السوداني نداء مغايراً لقواعدها بالتصويت لإسقاط مرشحي حزب المؤتمر الوطني. ومن المشكلات التي تواجه المفوضية القومية للانتخابات التي تشرف على العملية التشكيك من قبل بعض الأحزاب، والقوى السياسية المعارضة في صدقيتها واستقلال قراراتها، واتهامها بالانحياز، إلى الحزب الحاكم. وركزت المفوضية حسب خبراء على الجانب الإجرائي لكنْ هناك ظروف سياسية معقدة تحيط بهذه الانتخابات التي ستجري في ظروف احتقان سياسي وظروف صراع ما زال يدور في دارفور وحرب أهلية وضعت أوزارها منذ خمس سنوات في جنوب البلاد، ولكن آثارها ما تزال باقية ،اذ ينتشر سلاح غير شرعي في الإقليم واحتراب قبلي دموي يحصد الأرواح وأمن غير مستتب في أماكن عدة. وينتظر أن تحقق الانتخابات تغييرا في السودان مهما كان الكاسب أو الخاسر،و لو فاز بها الحزب الحاكم فإنه لن يكون المؤتمر الوطني الحالي،وأول تغيير تشهده الساحة حاليا تراجع كثير من القضايا التي كان يعتبر تناولها من الخطوط الحمراء ،وستكون نتيجة مراجعة مسائل كانت من ثوابته، وإذا فاز الرئيس عمر البشير فلن يكن هو البشير اليوم لأن شرعيته لن تكون من الدبابة أو حزبه وإنما الإرادة الشعبية وبالتالي فإن تعامله سيكون مختلفا،وكذلك الولاة،وستكون الانتخابات قاطرة للتحول الديمقراطي. إذن السودان مقبل على تغيير كبير ،نأمل أن نصل تلك المرحلة بسلام.