تلعب البحوث والدراسات العلمية دوراً هاماً في إدارة المجتمعات وقضايا التموين، وبفضل الفتوحات المعرفية التراكمية فإن التصدي للتحديات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تنشأ بأسباب الحراك نحو تقدم الشعوب ورفاهيتها، تخضع هذه التحديات لتشريح عميق في أسبابها الجذرية وتوقعات المآلات وسبل العلاج. اضطلعت مراكز البحوث والدراسات بدور متقدم في معالجة المشاكل التي تواجه الدول والمجتمعات وبدور أكبر في التأهيل العلمي والتخطيط الاستراتيجي، فلا يكاد أي نشاط بشري في عصرنا الحاضر في مجالات العلوم التطبيقية والعلوم النظرية واستقلال الموارد الطبيعية والبشرية إلا وتقوم مراكز البحوث بدور العصف الذهني لتحقيق معادلة القدرة علي بلوغ المرام وتوازن الجهد مع النتائج. هذه المقدمة هي مدخلنا لتأسيس مركز دارفور لإدارة الأزمات ودراسات السلام، والذي تم الإعلان عنه منتصف الأسبوع الماضي من قبل منظمة الهيئة الشعبية لتنمية دارفور، في اجتماع نوعي ضم عدداً من القيادات حوالي سبعين قيادياً من أبناء دارفور المتخصصين في مجالات الدراسات والبحوث والتنمية والفكر، وذلك بقاعة وزارة الشؤون الإنسانية وبحضور وكيل الوزارة ومدير الإدارة العامة للمنظمات الوطنية والذي تم فيه طرح استراتيجية المركز من خلال الورقة التي أعدتها الهيئة الشعبية.. وتداول الحضور في عناصرها المتمثلة في الأهداف وخطة العمل والتأسيس. جاء المركز نتيجة تطور حثيث لاهتمامات المنظمات الطوعية الوطنية، ونتاج للنشاطات السابقة التي قامت بها منظمة الهيئة الشعبية منذ العام 2000م والمتواصلة من خلال المبادرات التي تؤدي إلي إذكاء قيم المشاركة والحوار وتبادل الآراء بين المكونات الاجتماعية والفكرية والسياسية لأبناء دارفور، وصولاً للحلول العلمية لمجموعة الأزمات التي اجتاحت دارفور منذ العام 2002م ، إذ أن الهيئة أسست منبراً بعنوان منتدى السلام والتنمية بولايات دارفور الذي انعقد أولاً في اكتوبر عام 2002م كأول لقاء لمنظمات المجتمع المدني السوداني للتحاور والتفاكر حول البدايات السالبة لأزمة دارفور والمتمثلة في الانفراط الأمني وفوضى انتشار السلاح والحروب القبلية والنهب المسلح واهتزاز القيم الاجتماعية والموروثات الشعبية في فض النزاعات والتعايش السلمي. ووجدت توصيات الملتقى الأول حظاً وافراً من التطبيق فقادت الهيئة الحوارات بين القبائل المتنازعة ونزعت فتيل الانفجار في مثلث جنوب دارفور منطقة «أبو جرادل» كما توسطت بين آلية هيبة الدولة والزعامات القبلية، و جاء الملتقى الثاني للسلام والتنمية الذي جمع أكثر من 450 شخصاً عشية ملتقى الفاشر التشاوري للقيادات في أبريل 2004م، وتم عقد الملتقى الثالث في اكتوبر من العام الماضي 2009م بقاعة الشهيد الزبير بالخرطوم. إلى جانب ملتقيات السلام والتنمية فقد قادت المنظمة عصفاً ذهنياً ووعياً جمعياً وبلورة للرأي العام من خلال اللقاءات التشاورية والحوارية في عدد من المسائل المفصلية التي تتعلق بدارفور في الداخل والخارج، مثل عقد لقاء حواري حول مخرجات الاجتماع الحادي عشر لمجلس حقوق الإنسان بجنيف حول دارفور والسودان وعقد منتدى تخصصي لتقرير اللجنة الأفريقية عالية المستوى «لجنة أمبيكي» حول دارفور كما عقدت لقاءاً تشاورياً حول اللقاء التشاوري للمجتمع المدني الدارفوري الذي انعقد بالدوحة في اكتوبر 2009م. وفي جانب المشاركات على المستوى القومي فقد طرحت الهيئة فكرة إنشاء شبكة منظمات دارفور وخططت لقيامها، كما قدمت أطروحات ملتقى منظمات دارفور «شراكة حقوق الإنسان» وشاركت في تأسيس شراكة المنظمات الوطنية للسلام والتنمية «شموس». تلك هي النشاطات التي دفعت الهيئة لتأسيس مركز بحثي متخصص يضم الكفاءات العلمية والمفكرين وأساتذة الجامعات وقيادات المجتمع في مجالات التنمية وإدارة الأزمات وفض النزاعات، وأن يطلع هذا المركز بدور القائد لعمليات التغيير والبناء بالوسائل العلمية التي تعتمد على المعلومات الحقيقية والتحليل العلمي والنتائج العلمية لوضعها أمام الأجهزة الرسمية والشعبية المختصة لتحديد البرامج والإنجازات وبناء قاعدة معلومات حول مجمل المشاكل والأسباب الجذرية التي قادت الي أزمة دارفور ، وجاءت دعوة الاجتماع لتضافر الجهود من أجل توفير الإمكانيات التي تجعل من هذا المركز واقعاً معاشاً وتضمن استمراريته.