لليوم الثاني على التوالي أدخل قفص الاتهام في مجمع المحاكم بالخرطوم، حيث دخلت بالثلاثاء القفص منفرداً بسبب شكوى ضد الصحيفة ممثلة في رئيس تحريرها متهماً أول من سفارة إحدى الدول الشقيقة المجاورة بسبب أحداث مر عليها عامان تقريباً- بينما دخلت أمس الأربعاء القفص متهماً أول وبرفقتي زميلنا الأستاذ يوسف عبد المنان متهماً ثانياً في شكوى من أحد المسؤولين ضد الصحيفة والكاتب حول وقائع يرى أنها غير حقيقية. وإذا قدر الله لنا العيش فإننا موعودون بالمثول أمام المحاكم ثلاث مرات خلال شهر مايو الجاري، إحداها في الخامس والعشرين منه الذي يصادف الذكرى الحادية والأربعين للانقلاب العسكري الأشهر في تاريخ السودان الذي قاده العقيد أركان حرب جعفر محمد نميري آنذاك واستمر لأكثر من ستة عشر عاماً حتى زال في السادس من أبريل عام 1985م. لا أريد الخوض في القضايا التي أوقفتنا وتوقفنا أمام المحاكم، ولكنني أريد أن أنقل بعض المشاهدات والملاحظات التي عشتها داخل قاعات المحكمة ورأيي في قضائنا وقضاتنا وتعاملهم مع بعض القضايا التي ينظرونها لتصبح شهادتنا في حقهم شهادة للتاريخ والمستقبل. في إحدى جلسات المحكمة بالثلاثاء وقف خصمان أحدهما شاكٍ والثاني مشكو ضده أمام المحكمة وهما من أسرة واحدة، مع الأول مجموعة من المحامين للاتهام ومع الثاني مجموعة مماثلة للدفاع.. وأخذت أتابع مجريات القضية، وأدهشني بعد العرض أن تقدم القاضي بمبادرة للحل طرحها للطرفين مستنداً على القاعدة الذهبية (الصلح خير) وذهب إلى أبعد من ذلك عندما قال إنه لا يريد أن يزيد المرارات بين طرفي النزاع لأن الحكم مهما كان شكله أو نوعه فإنه لن يرضي الطرفين لأنه إن كان لصالح الأول لما قبل الثاني وإن كان لصالح الأخير ما قبل به الأول.. لذلك اقترح على الطرفين الموافقة على الجلوس مع المحكمة في جلسة خاصة لتسوية النزاع وإنه لا مانع لديه أن تكون الجلسة في يوم السبت حتى رغم أنه عطلة وصولاً لحل يرضي الطرفين.. وقد وافق طرفا النزاع على المقترح الذي نأمل أن يثمر. وفي جلسة أخرى وقف مطرب كبير وشهير شاكياً إحدى الصحف الكبرى بسبب خبر نشرته الصحيفة رأى أن فيه مساساً بشعبيته وسمعته، فتدخلتُ بعد الجلسة لعلاقتي القوية بالمطرب الكبير لأقود مبادرة لتسوية النزاع، أحسب أنها سوف تنجح بإذن الله.. وأسأل الله أن يبعدنا عن ساحات المحاكم قدر الإمكان رغم ثقتنا العظيمة في القضاء السوداني وقضاتنا لأننا نرى أنه لا أحد يكسب إذا دخل المحكمة- لأنه كما يقول الصينيون- سيكسب معزة.. لكنه في المقابل سيخسر بقرة.