{ يبدو أن السيناريوهات التي شاهدناها في الجنوب أثناء عملية الانتخابات وفرز النتائج وإعلانها غيّرت الكثير من المفاهيم والتفاهمات التي تمسكت بها الحركة الشعبية ورموزها السياسيون من فريقي الصقور والحمائم في مسألة انفصال الجنوب.. فمن قبل الانتخابات سمعنا أن المرشح الرئاسي للجنوب د. رياك مشار ود. لام أكول غير أن دخول الفريق سلفا فجأة لحلبة الترشح قلب الموازين باعتبار أن الفريق أول سلفا كير بارك ترشيحه المؤتمر الوطني وفي نفس الوقت أيّدت الترشيح أحزاب جوبا والأحزاب الشمالية التي سعت بكل جهودها لوضع العراقيل والاسفينات لإفساد العلاقة بين حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتقويض العملية الانتخابية. {قراءة متأنية في عقلية الحركة السياسية يظهر جلياً أن علاقتها بالأحزاب الشمالية وأحزاب جوبا قلّت درجة سخونتها حتى وصلت(الصفرية)بعد أن أدركت الحركة أن مصلحتها ستضيع إذا تحالفت مع المعارضة الشمالية وبعد أن قرأ صقورها ومفكروها سجل التاريخ السياسي لأنظمة الحكم منذ اجتماع الدائرة المستديرة بجوبا 1947م، وجاءت الضربة القاصمة التي أوجعت الحركة والأحزاب الشمالية نجاح الانتخابات في الشمال والمفاجأة التي أذهلت تحالفها الشهادات والإفادات التي أدلى بها المراقبون الدوليون وخاصة عن الحال في دارفور والأمن والهدوء الذي ساد الانتخابات. {الآن ومع إطلالة العهد الديمقراطي الجديد بدأت نبرة التصعيد تنخفض لدى مثيري الاضطرابات داخل حزب الحركة الشعبية خاصة بعد أن صدموا بنتائج الانتخابات والفوز الساحق للرئيس البشير.. والمستويات الانتخابية الأخرى وبعد أن عرف المجتمع الإقليمي والعالمي نزاهة وحيدة انتخابات السودان إضافة إلى التأييد الكبير لانتخابات السودان ومباركة الكثير من الدول الكبرى والصديقة والمحبة للديمقراطية والأهم من ذلك أن العالم أجمع عرف الوزن الحقيقي للأحزاب السودانية جميعها وحجم الندم الذي أصاب قيادات الأحزاب المقاطعة وفقدان الثقة بينها وبين القواعد الجماهيرية وفاجأت الأحزاب التي ما زالت تعتقد أن دوائر معينة مقفولة حتى خذلتها قواعدها الجماهيرية نتيجة التغيير الذي طرأ على الشخصية السودانية. {هذه المرة جاءت العملية الانتخابية لا تحمل شعارات الولاء الطائفي أو الانتماء القبلي والجهوي.. أو الآيدولوجيات أوالمستوى التعليمي حيث إن الشريحة الكبرى من الذين صوتوا هم شباب وخريجو جامعات ومعاهد عليا.. فالتركيبة السكانية تغيّرت.. وما عادت الجماهير رهن إشارة طائفية أوحزبية ضيقة فعملية التحول الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة مفاهيم لم تدرسها الأحزاب السياسية ذات التاريخ والثقل الجماهيري وأبرزت نتائج الانتخابات أن قواعد الأحزاب التقليدية نفرت منها وتباعدت عنها فكرياً لأحادية القيادة ورتابة التفكير. {عموماً.. إن حزب المؤتمر الوطني كان الحزب الأوفر حظاً في الفوز في الانتخابات على كل المستويات لأن الحزب يضم القواعد الواعية والصلة الوثيقة بينها وبين رموزها ووضوح أطروحات الحزب داخل مؤسساته لكن هذه العلاقة نجدها مفقودة لدى الأحزاب ذات الثقل وذات التاريخ لأنها ابتعدت عن قواعدها وساد مناخ عدم الانسجام في التفكير وغاب مفهوم الديمقراية وتبادل الرأي وقبول آراء القواعد لذا جاءت نتائج العملية الانتخابية هذه المرة بخارطة جديدة للدوائر الانتخابية وظهور ممثلين جدد لهذه الدوائر وتفاجأت الأحزاب التي مازالت تعتقد أن دوائر معينة مقفولة لها وغاب عنها الشعور الذي طرأ على الشخصية السودانية. {أما حزب الحركة الشعبية وسيناريو الانتخابات وتداعياته في الجنوب موضوع اليوم فقد أثبتت الأحداث أن التناحر القبلي سيظل العقبة الكؤود في الجنوب وأن القبلية أكلت بأنيابها في العملية الانتخابية وأفرزت عدم توافق وتراضٍ بين الرموز السياسية الجنوبية.. وزعماء القبائل في كل ولاية فغابت مرة واحدة مصلحة الجنوب.. حيث أتت نتائج الانتخابات بممثلين ولاؤهم قبلي حتى النخاع وهذا المشهد ساعد في أن تختفي رموز سياسية أحدثت صخباً وضجيجاً حول اتّفاق نيفاشا وحتى الآن.. {لكن مع صيحات صقور الحركة الشعبية والاتّجاه للسير عكس التيّار فالأحداث الأخيرة أثناء الانتخابات يعكس لنا حالة الضبابية والحيرة في كيف سيكون الجنوب مستقبلاً..؟ خاصة إذا ما صممت مراكز القوى بالجنوب الاتجاه نحو الانفصال.. الشيء الذي يقود الجنوب إلى التفكك والتفتيت وضياع الهوية الجنوبية فعالمنا اليوم يؤمن بالدول القوية التي تمتلك السلاح والتكنولوجيا.. فما من عاقل يؤيد الانفصال والجميع مع الوحدة ولكن تبقى كلمة الجنوبيين في الاستفتاء هي الحاسم الأول لموضوع الانفصال.. ولكن الأمل معقود على الفريق سلفا لجعل الوحدة خياراً جذاباً ليسير مع أخيه المشير البشير في طريق تنمية شطري القطر والحفاظ على مكتسبات نيفاشا.