لولا المصادفة، لكان مصير (تحت الغيم) المنشورة الخميس الماضي .. صندوق القمامة !! كنت قد أنهيت لتوي كتابة العمود، واخترت له عنوان (موقف)، وبعد إرساله بالإيميل للزميلة نازك يوسف بسكرتارية التحرير .. تملكتني رغبة في إلغائه، وكتابة بديل له. أمور استثنائية قد تحدث، خصوصا بعد الخروج من (الحالة) الشعورية للكتابة. وكم من المرات أخضعت فيها قلمي لمحاكمات قاسية، بل ولو عاد بي الزمان سنوات مضت، لشطبت الكثير مما كتبت، دون أدنى تردد! نكوصي عن العمود كان لخصوصيته، فقد قمت بتجسيد (تجربة) صغيرة، قابلت فيها وجها نسائيا في أحد المرافق العامة، كان مألوفا، لكنني فشلت في تذكره، ولعل صاحبته هي الأخرى فشلت في تذكري، رغم ومضة المعرفة التي بدت ذات لحظة، في عيني وفي عينيها ! التجربة الشعورية انتهت بافتراقنا، دون أن يحدث كلام، ودون أن تتم مصافحة. وبعد أن دونت ذلك في العمود، وأرسلته للصحيفة، ملأني شعور طاغ بأنني أقحمت القارئ في أمر لا يهمه من بعيد أو قريب! استنفرت طاقتي لإيقاف العمود، لكن تلفون نازك استعصى على الاستجابة. أما تلفون الزميل حسام الدين محمود، فكان من غير الممكن الوصول إليه ، لتفشل محاولتي في إلغاء العمود ، واستبداله بآخر! المفاجأة أن العمود العنيد وجد أصداء بعد النشر، وكانت أصداء متباينة، فقد فتحت عيني صباحا على رسالة تلفونية من قارئة تقول : ولماذا أعطيت صاحبة الوجه المألوف كل ذلك الاهتمام ؟ ثم فتحت بريدي الالكتروني لاحقا، لأجد عدة رسائل، بعضها يقول إنها تجربة صغيرة، لكنها تمر على الجميع. وتحدث آخرون عن الأثر العميق لمثل هذه التجارب، وكيف أنها تفعل أفاعيلها في المشاعر الداخلية رغم عدم ظهورها للعلن في غالبية الأحيان! لكن رسالة عجيبة اقتحمت بريدي، وجعلت الدهشة تعقد لساني! صاحب الرسالة هو (عبد السلام كامل عبد السلام)، ويعمل كما قال في التلفزيون. لقد فاجأني الرجل بقصيدة، أحال فيها كل ما نثرته بالعمود إلى عمل شعري باهر، عكس فيه كل الأحاسيس الصغيرة، وتلبسته فيه الحالة الشعورية حتى النخاع. لقد أظهر عبد السلام موهبة عجيبة ، حيث نفخ الحياة داخل عمل نثري، وأحاله إلى نص إبداعي شعري يصعب الفكاك من نطاقه المغناطيسي ! أظنني كنت سأخطئ لو رميت العمود في القمامة، فلو فعلت لما كتب عبد السلام رائعته، ولما بقيت القصيدة جزءا من نتاجه الشعري الذي أثق أنه سيملأ الساحة يوما شدوا وتغريدا. القصيدة سترى النور قريبا، والحمد لله على سلامة العمود .. من القمامة !