في الوقت الذي انشغل فيه الكل في العالم بنفسه ممسكاً بكلتا يديه على ازاره الذي يستر عورته الداخلية، أو حتى براحات جسده الخارجي.. نجد أن نوعاً آخر من الازار تكمله فنائل باشارات خاصة، وعصابات سوداء تلف الرأس، أصبح هو الزي الذي يميز مليشيات الشباب الصومالي الاسلامية المتشددة، التي تحاول اكمال سيطرتها على جسد ذلك الوطن النازف، بإضافة جراحات أخرى، وهوالذي لم يعد فيه متسع لطعنة رمح أو حتي شكة إبرة.. ونحن وفي هذا المقام ورغم احساسنا الدافق نحو ذلك الوطن الشقيق.. إلا أن هيجة الانتخابات قد صرفت أقلامنا بكل أسف عن لفت الأنظار الى مأساته.. وإننا إذ نبث اعتذارنا ونقول لشعبه المنكوب.. لك العتبى حتى ترضى.. فإننا من قبيل أضعف الايمان نفتح صفحة لبسط ولو صورة مقاربة لغفلة عالمنا العربي والافريقي، والمجتمع الدولي تجاه ذلك الشعب المسلم بكلياته، والمستسلم رغماً عنه لكربته التي تصنعها أيادي ابنائه وبتوجيهات تأتي من هنا وهناك .. ففي الوقت الذي نجد فيه الامريكان ينصرفون الى مواجهة القرصنة البحرية، التي يعتبرونها نتيجة لسيطرة الارهاب على مساحات في منطقة القرن الافريقي، وأولها الصومال.. وليست إرهاباً مباشراً، فإنهم يبدو ولمرارة تجاربهم السابقة التي .... (مرمطت) كرامة الجيش الامريكي بثرى مقديشو.. فقد آثروا النأي بأنفسهم عن إعادة التجربة، فساقوا المبررات التي أوردناها في صدد انشغالهم بمحاربة قرصنة العصابات المتنشرة في البحر، مستهدفة السفن التي تعبر ذهاباً وإياباً.. فيما نجد أن الوكلاء الذين يقومون بمهمة تدمير المدمر أصلاً، وكأنهم صلع يتقاتلون على مشط مكسور.. يقومون بالواجب على أكمل وجه... فالحكومة الإسلامية التي نشأت في فجوة الفراغ الدستورى، وغياب الدولة على مدى سنوات، وخرجت أيضاً من رحم الخلافات بين الجماعات الإسلامية التي تقسم ولاءها الغريب أو استنادها المريب، ما بين اسمرا التي يحكمها نظام علماني أقرب الى الراديكالية اليسارية .من حيث التركيبة الشكلية.. ونظام اديس ابابا الذي ينتهج وسطية تنظيمية، تميل قليلاً نحو الليبرالية ولا ينعتق ضمناً من شمولية الحزب الواحد.. لذا و بالنظر الى الجانب الفكري العقائدي، فإن ما يجمع بين تلك الجماعات والأنظمة المجاورة، التي تتبنى كل فريق في مقابل الفريق الآخر نجده أقل بكثير من الذي يفرق بين كل تلك الأطراف والحكومات..اللهم إلا جانب تصفية الحسابات بين النظامين، في كل من اديس واسمرا، حيث وجدا المناخ المناسب و الأرضية الخصبة لتنازع مصالحهما، بالقدر الذي جعل الصومال أرضاً وشعباً يضيعان تحت حوافر خيول ذلك الصراع غير المنطقي، من حيث سوء الزمان والمكان.. بيد أن قاصمة الظهر هي استمرارية مأساة ذلك الصراع مع بروز خلافات الإسلاميين أنفسهم.. وتفرق المشارب بينهم الى تيار معتدل، يراهن على حكومة الشيخ شريف، والتيار المتشدد المسمى بشباب الإسلام، الذي يعتبر أن تلك الحكومة عميلة ومسنودة من قبل القوات الأجنبية التابعة للاتحاد الأفريقي، وعناصر من القوات الأثيوبية، الى جانب كونها -ومن وجهة نظر الشباب المتطرف- لا تلتزم بتطبيق أحكام الشريعة في حدها الأعلى.. وقد ضاق الناس ذرعاً من سلوك أولئك الشباب المتزمت والمتنطع، حيال المجتمع بأسره في تطبيقهم للأحكام التي يدعون أنها شرعية، وبصورة مقززة لاتراعي فيها أبسط قواعد التسلسل الطبيعي للمحاكم الشرعية، ولا يصدرها من هم في سن الحكمة أو الرشد العمري والفقهي، أو الذين يملكون الخبرة العلمية والعملية القضائية، للتعاطي مع الجرائم التي تساق ضد من تنفذ فيهم أحكام وصلت الى قطع الأيادي والرجم حتى الموت.. فضلاً عن تحريمهم لكثير من الممارسات الاجتماعية، وتضييقهم على الناس في حركتهم اليومية، بالقدر الذي استحال معه تقبل ذلك من بشر يعانون أساساً من غياب الأمن، و قبضة شظف العيش، وأنشاب براثن البطالة والفقر في كل قطاعات المجتمع، التي أعيتها الحيلة وضيق ذات اليد، في اللحاق بارتال البشر من الصوماليين، التي تدفقت علي دول الجوار، فأصبحت تعاني هناك وتثقل كاهل تلك الدول التي فيها.. ما يكفيها من المشاكل... ففي الوقت الذي بات فيه الناس يتضورون جوعاً وهم يتقاسمون بقايا الأكواج، التي تفضلت آلة الحرب وأبقت عليها.. بدون ضمانات لبقائهم أحياء ولو لساعة زمان فيها.. نجد أن اولئك الشباب الذين أفقدهم هوس الارهاب باسم الدين عقولهم.. يقفزون فوق الحاجات الآنية الملحة لعامة الناس، والتي يحض الدين على توفيرها لهم كأولويات.. ولنا مثل في تعطيل سيدنا عمر رضي الله عنه في أحد أعوام المسغبة حيالها تطبيق حتي حد السرقة التي قد يضطر الجائع الى اغترافها سداً لرمقه.. نجدهم يتمسكون بصرامة بتطبيق عقوبات مؤذية بحق من لم يطلق لحيته.. أو من دفعه سوء حظه للابتسام، فاكتشفوا أن في فمه أسناناً ذهبية اصطناعية.. وبلغ بهم الجنون أن افتوا بتحريم استخدام رافعات الصدور النسائية (الستيانات.). وتطبيق حد الزنا على من تتعرض للاغتصاب باعتبارها مجرمة، ولو أثبتت أنها كانت ضحية.. وهو مسخ مشوه يرتد بالطبع على صدر الاسلام، دون أن يعي اولئك الشباب السذج أنهم يقدمونه هدية سائغة للسان الإعلام المعادي المتربص بالاسلام، ويبحث عن الذرائع التي تنال من سماحته وتؤدي الى تصوير إمالة كفه نحو التنطع المنفر.. وقد قفزت الى ذهني. والشيء بالشيء يذكر... مفارقة مضحكة ومحزنة في ذات الوقت، قرأتها والعهدة على كاتبتها الأفغانية .. حيث ذكرت انها شاهدت أيام حكم طالبان .. جلد جثة شاب ميت... (مائة جلدة ) اكتشف فقهاء النظام أثناء تفتيش موكب الجنازة، إن المرحوم لم تكن له لحية أثناء حياته القصيرة... ولعل شباب الصومال ربما يستندون في فتاويهم الغريبة الى العقلية الطالبانية، التي تنهل من نبع القاعدة ويعتبرونه النموذج القدوة الأمثل.. الصومال الآن يقف وحيداً يصد بجسده المتهالك الواهن والدامي كل نصال تلك الصراعات، التي تدار في أرضه التي باتت بوراً بعد أن كانت بستاناً مخضراً، نضيراً، لم يتحرك تجاهه أحد، بل قد كاد أن يكون منسياً خلف دخان حريقه.. اللهم إلا تلك التحركات الخجولة التي قام بها بعض من علماء الوسطية الاسلامية العالمية، وتمثلت في عقد مؤتمر دبي الذي غلبت عليه مثاليات تلمس الحل الفكري والعقائدي لصراع الفصائل الاسلامية، لتصب في صالح الاعتدال التي تتبناه حكومة الشيخ شريف.. حرصاً من اولئك العلماء من أن يظل الصومال الى نهاية ما تبقي منه في مستنقع الارهاب، الذي أضر ولازال بسمعة وقداسة الاسلام، والذي يدير جهاز التحكم من البعد لتحريك أولئك الاغرار من الشباب الاسلامي الصومالي، الذين حملوا سلم الشريعة بالعرض في ممرات هي أضيق مما تصوروا وفق عقولهم الصغيرة.. وهي تسوقهم الى أبعد من مقدرة عيونهم التي لا ترى اولويات واحتياجات شعبهم المنكوب الضرورية.. وهي قريبة من أقدامهم الحافية.. فهلا انتبهنا الى بلد بحاله، وأمة فقيرة وهي تمضي في سيول الفوضي دون حيلة الى ..مصير مجهول.. اللهم اني بلغت .. فاشهد ..إنك.. من وراءالقصد..