بعد عودته من أمريكا حدثني صديقنا الرائع الشفيع عبد العزيز مدير إدارة البرامج في قناة النيل الأزرق عن احتفاء الأمريكان بشيخ الإسلام ساتي ماجد رحمه الله وكيف ان الرجل الذي هاجر إلى امريكا في العام 1904 وعاد مرة اخرى إلى قريته الغدار في الشمال كان يمثل الوسطية والتسامح في الاسلام وأن للرجل متحف خاص يوثق لسيرته في الكونغرس وفي جامعة متشيجان وبعض الجامعات الأمريكية الاخرى ، كما حدثني صديقنا الشفيع عن توثيق قناة النيل الأزرق لسيرة هذا الرجل في امريكا وفي قريته في الشمال عبر برنامج وثائقي سيتم بثه قريبا ، حكاية الشفيع وتوثيقه لشيخ الاسلام ساتي ماجد داهمتني وانا استحضر عفوية وتسامح الإنسان في شمال السودان منذ القدم ، لا ادرى ان كانت لغة التسامح لا زالت مرتسمة في ذاكرة الإنسان هناك أم انها تلاشت بفعل ضربات الزمن والمتغيرات التي طرأت على الوطن بصفة عامة ، لكن اورد هنا قصة غاية في الشفافية عن تعاملات وتسامح إنسان الشمال مع الاغراب ، الحكاية وما فيها أن زكي نعم هكذا إسمه مهندس بوابير الموية والطواحين الالماني اندمج في نسيج أهل الشمال وأصبح واحدا منهم ، هذا الرجل فتحنا اعيننا على الدنيا ووجدناه يعيش بين المواطنين في القرى الشمالية ، لا احد حتى الآن يعرف كيف أتي وما إسمه الحقيقي ، ولكن بعض الروايات تؤكد انه الماني صميم ، وتقول الروايات المتداولة ان الرجل هرب من اتون المعركة في الحرب العالمية الثانية ولجأ إلى شمال السودان وعاش تماما مثل كاركتر مصطفى سعيد كما في رواية المبدع الراحل الطيب صالح ، كان مهندس البوابير زكي رجلا يعشق الصمت ويتولى اصلاح المكائن الخربانه في القري الممتدة في البر الغربي والضفة الشرقية من النيل ، واذكر إنني كثيرا ما كنت اصادفه في منزلنا لان والدي رحمة الله كان يشغل منصب رئيس المشروع الزراعي لسنوات طويله وكان يستدعي المهندس زكي لاصلاح وابور المياه الذي كان مثل مركب على الله كل يوم خربان ، المهم ، طيلة سنوات تواجد هذا الرجل الذي تزوج من الشمال وانجب البنين والبنات لم يسأله احد من أين أتي ولماذا اختار الشمال بالذات وعلى العموم كان الرجل في حاله وهناك حالات كثيرة للمئات من اخواتنا الصعايدة الهاربين من الثأر عاشوا وتزوجوا في القرى الشمالية واندمجوا في نسيج الحياة لكن سيناريو زكي الالماني يعتبر نموذجا لطيبة أهل الشمال ، المهم ، سيناريو المهندس الالماني زكي يؤكد ان انسان الشمال كان وربما لا يزال عفويا ومتسامحا حد الافراط ، وهو التسامح الذي حمله معه الراحل ساتي ماجد إلى امريكا ما جعل الأمريكان يكرمونه ويتمسكون بسيرته العطرة على مر الاجيال ، وبعودة إلى قصة زكي اذكر ان الدكتور محي الدين تيتاوي رئيس اتحاد الصحافيين ذكر لي ذات مرة انه لا يزال حتى الآن نادما لانه لم يوثق لحياة هذا الرجل قبل وفاته ، مرة اخرى شكرا للشفيع عبد العزيز لتقديم اضاءة عن تسامح الإنسان السوداني في شخص ساتي ماجد وليت الوطن كله ينتهج مبدأ التسامح لأننا في حاجة ماسة لهذه السلعة النادرة في هذا الزمن الرمادي .