وتحملني أستاذتنا.. زينب السعيد.. قسراً.. إلى عشرينات القرن الذي تصرم.. نعود القهقرى.. نحن نحدث ثقباً في جدار الزمن.. لنرى ونسمع ونعيش .. أيام السودان بل هي، أم درمان، في ذاك الزمان.. الذي رحل.. ونفتح مجلد الحقيبة.. ونقرأ.. وبين دفوفها.. ورزيمها وغنائها.. وطبلها.. ومزمارها.. كلمات في حقها يجب أن تقال.. أولاً.. هي فخمة المباني.. شاهقة الأركان.. بديعة البنيان وسيمة باذخة مترفة المباني.. ولكنّها للأسف، وضيعة المعاني.. ونقرأ أيضاً.. أنّها كانت تصور في نصاعة.. وأمانة.. ودقة.. وروعة وجلاء.. المجتمع السوداني في ذاك العمر من الزمان.. كانت المرأة.. في عيون .. أي رجل.. هي المرأة الجسد.. هي حبيسة الجدران.. لا نشاط لها.. بل كل نشاطها.. هي أن (تورق خدرة) وتفرك بامية، وتكشّن بصلة.. ثم تتراخى.. أن تنام.. أو تتثائب.. واضعة يدها على خدها.. انتظاراً للزّوج.. حتى يعود من العمل.. لذا كانت كل أغاني الحقيبة.. تدور في هذا الدائرة الرّتيبة المملّة.. البائسة.. وهل هناك أغنيته واحدة.. تحدثت عن قصة.. أو ذكرى.. أو قضية.. أو حب عاصف انتحر.. أو نحر.. ولا عجب أن نجد أنّ الأغنية.. قد أبحرت في كل جسد المرأة.. لم تترك بوصة واحدة.. إلا وسلّطت عليها.. كاميرا الكلمات وصفاً.. وتفصيلاً.. حامت الأغنية حول المرأة.. جسداً.. ولا (بيت) واحد.. أو شطر قصيدة واحدة عن العقل.. والقلب والروح. من هنا .. نقول.. إن أغنية الحقيبة.. هي صورة طبق الأصل.. لحالة المجتمع في ذاك الزمان.. أغنية صادقة.. أمينة.. مبهرة.. ولكن لذاك الزمن الذي ارتحل.. لتبقى جزءاً من تاريخ.. ثقافة وحضارة.. الوطن.. مثلها مثل.. الآثار التي تقف شاهدة على عصرها.. ولكن في متحف بيت الخليفة.. أو القومي.. أو حتى مكتبة الإذاعة. فلا يعقل أبداً.. أن تظل الحقيبة تطرق.. بل (تطرش) آذاننا.. صباح مساء في حفلات الأعراس، في ما يطلبه المستمعون.. في مهرجانات التخرج.. في هذا المناخ.. الذي مزقت فيه المرأة.. الأكفان.. وهي تنتفض.. وتزيل القبر والكفن.. لا يمكن أن نعيد المرأة.. غزلاً .. إلى تلك الأيام التي كانت توصف عيونها.. بعيون.. الحيوانات.. من صيد.. وغزلان.. وبقر وحشي.. وفناجين.. والتجاني سعيد.. يحكي عن العيون.. قائلاً أو واصفاً.. إنها زي سحابة صيف تجافي بلاد وتسقى بلاد.. وزي فرح البعيد العاد.. وجماع .. لا يرى بل لا ينظر في العيون.. غير .. كلماته المترفة.. ونظرت في عينيك .. آفاقاً وأسراراً ومعنى.. لا يمكن.. أن أغني -اليوم- لمهندسة.. ترتدي بنطلون الجنز.. وعلى رأسها خوذة .. وهي في الطابق الخامس عشر.. في عمارة تحت التشييد.. وهي تراقب العمال وهم (يشكون) الخرصانة.. لا يمكن.. أن أقول لها مغنياً: إنت صاحي.. ولاّ نائم.. ولا طرفك من طبعو نعسان.. وإلا (لو قعت من ذاك العلو الشاهق لتكسر رقبتها).. نحن أحبتي في عصر.. صارت المرأة.. تهتف.. أنا نصف قد حوى كل المعاني.. إذن تصوروا معي طبيبة.. وهي من نوع (من نقل المرجرج .. كالخائضين الوحل.. تستدعي.. حالة مريض في الإنعاش.. سرعة إنقاذه.. بواسطة ذات الطبيبة.. ولأنها كالخائض الوحل سوف تقطع المسافة.. بين الصيدلية.. وغرفة العناية المكثفة، زمناً يكفي.. تماماً.. لنقل هذا المريض.. من المستشفى إلى (أحمد شرفي أو البكري) سألني ابني مرة.. عندما كان في مرحلة الأساس.. سألني بعد أن استمع إلى إحدى أغاني الحقيبة، وكانت تحديداً تقول.. ساح نام في الكفل سألني يعني كيف ساح نام في الكفل.. وهو الكفل... ذاتو معناهو شنو.. هنا انتهرته غاضباً.. أسكت ياقليل الأدب..) أستاذتي.. زينب.. إن الحقيبة.. وأغانيها ليست لكن.. أنت اللائي يقفن معنا كتفاً بكتف.. لنصنع.. حياة.. مدهشة..إنها لجيل.. مضى صحيح.. به(بواقي).. من(عينة)الطامحات.. للترهل بحبوب السمنة.. فهؤلاء مبروكة عليهن الحقيبة..