في ذلك المساء كانت كل الاشياء تنهض على اجنحة الذكريات ، التقيت صاحبي بعد غيبة طويلة ، كان لا يزال مضربا عن دخول القفص الحديدي ، وجدت الفرصة سانحة لتحريك مياهه الراكدة وجعله يفضفض بكل ما في قلبه من أحزان ، انطلقنا بالسيارة على الخط الساحلي ، توقفنا في مقهى يطل على البحر ، كانت رائحة الشيشة والمعسل تزحم المكان ، وثمة وجوه نضرة تتسامر وتهرب ضحكاتها في الفضاء ويعود الصدى مثل الغيوم المنكسرة ، سألته عن أسباب اضرابه عن دخول القفص الحديدي، ارتشف جقمة من العصير وتنهد وبدأ يسرد سمفونية الذكرى وكيف ان فشله في الحب جعله ينجح في حياته العملية ، قال صاحبي انه التقاها ذات صباح شتوي عند مخرج الكلية في الجامعة العريقة ، كان وقتها قلبه في اجازة طويلة عن الحب ، كانت بنت وديعة وحالمة مثل صلاة الفقير كما وصفها مولودة خارج السودان وتعيش مع اسرتها المغتربة في مكان ما من العالم ، التقت اعينهما، شعر في تلك اللحظة كما ان ماساً كهربائياً ضربه من العديد الى الوريد ، حاول في تلك اللحظة ان يلجم مشاعره لكنها خذلته ، شعر انها هي الاخرى رغم اللقاء الخاطف تفكر فيه ، وتبادله نفس الشعور ، لم يصدق نفسه كما قال انه سقط في بحر الاعجاب ، كان يعتقد،أن خفقان قلبه مجرد زوبعة في فنجان سرعان ما تتلاشى ، لكن منذ اليوم الاول للقائها شعر ان شيطان الحب تلبسه ، حاول الفكاك منه حسب قوله بدون فائدة ، بدأ يضع خططا مدروسة حتى لا يلتقيها عن طريق الصدفة في مكتبة الجامعه او في المقهى ، لكن كل خططه باءت بالفشل كان يصادفها اينما ذهب واخيرا استسلم ، لجرثومة الحب ووقع في حبها حتى شوشته ، واصبحت قصتهما كما قصة قيس وليلى العامرية ، كانت البنت الخلاسية معجبة بفارسها خصوصا وهو الاول على دفعته منذ دخوله الجامعة ، كانت تسافرلاسرتها في الاجازات وينتظرها على احر من الجمر وفي لحظات وداعها بالمطار يردد مع سيد الغناء السوداني الراحل مصطفى سيد احمد شايلاهو وين النيل معاك عصفوره جنحاتا النجوم وأنا بي وراك. ، كان يشعر ان قلبه مسافر ، حينما تغيب عنه ،صدقوني كنت منجذبا لفضفضته ، فالرجل كان بارعا في السرد لدرجة مبالغ فيها ، غير ان ملامح وجهه سرعان ما تغيرت و اكتست بمسحة من الحزن ، عرفت في تلك اللحظة اسباب عزوفه عن الارتباط ببنت الحلال ، واصل حديثه وقال : انها في آخر مرة التقى بها وعدته انها ستكون له ، وسوف تطلق الغربة بالثلاثة لتعيش معه في السودان ، ودعها في المطار ، كما قال وعاد وهو يردد ( شايلاهو وين النيل معاك ) ، لكن للاسف البنت الحليوه ، شالت النيل معها وذهبت ولم تعد ، ارتبطت في الغربة بفارس احلامها ، وارسلت له مسج اعتذار ، وكان هذا الشاكوش المعتبر لصديقي بوابة للنجاح في حياته العملية ، رغم انه في بداية الامر عاش ظروفا صعبة ولكنه استطاع ان ينسى ويكتب اسمه في سجل المبدعين .