الفنان الشعبي الكبير عوض الكريم عبد الله باقٍ في وجدان هذه الأمة واحداً من علاماتها الفنية المضيئة البارزة، وأكاد أحسب أنه بقي لنا ثاني إثنين من مجيدي غناء الحقيبة الأصيل، إلى جانب كروانها صاحب الأداء المميز والصوت الشجي، الأستاذ مبارك حسن بركات أمدَّ الله في أيامهما، ونشهد للإثنين بأنهما حفظا ديوان الحقيبة من الزوال. والفنان الأستاذ عوض الكريم عبد الله تقدم موقعه كثيراً بعد رحيل جيل مطربي الحقيبة الأول، وقد كان أحد تلاميذ العميد الحاج محمد أحمد سرور، تشرَّب منه صنعة الغناء وروعة الأداء، وظل بطلعته البهية ومظهره الأنيق، عنواناً جميلاً لفترة يعتبرها الكثيرون - وأنا منهم- أعظم فترات الغناء السوداني ولبنته المتينة. غاب أولاد شمبات وأولاد الموردة، وغاب الثنائي الأشهر ميرغني المأمون وأحمد حسن جمعة، وغاب أحمد الطيب، وغادر محمد أحمد عوض، ورحل بادي، وبقى لنا القليل من جواهر كنز الحقيبة، منهم عبد الله محمد، وثنائي أبو كدوك، ومحمود علي الحاج، وعوض الكريم عبد الله، وشيخهم مبارك حسن بركات. عوض الكريم الآن طريح الفراش، ويعاني وحيداً في منزله بالحارة (21) الثورة، يكابد الآلام ويتلقى العلاج من حروق نافذة تعرض لها نتيجة حريق شب في غرفته، ولم يكلف أي من المسؤولين في الدولة عن الثقافة والفنون والإعلام، لم يكلف أي منهم نفسه بزيارته سوى الدكتور عمار حامد سليمان معتمد محلية كرري، الذي زاره مأجوراً مشكوراً ووقف على حالته وهو يعاني الأمرين، عناء الحريق ومعاناة التجاهل الرسمي، وفوق هذا وذاك يعاني من حالتي إحباط ويأس تمكنتا منه، بعد أن فقد الأمل في استرداد سيارته الصغيرة التي سرقت من أمام منزله قبل شهرين، وعممت الشرطة والصحف أوصافها دون أن تثمر الجهود المبذولة لأجل استعادتها عن شئ. كان الله في عون هذا الفنان الكبير الشامخ والصابر على الأذى، وهو أحد مؤسسي اتحاد فن الغناء الشعبي عام 1964م، الذي ظل منذ ذلك الوقت يرعى المواهب، ويعمل على تطوير هذا الحقل ويقدم الابداع المتتالي، ويسعى بين الناس وأجهزة الإعلام الرسمية والخاصة لنشر فنه الراقي الأصيل. عوض الكريم عبد الله يجد العذر للرسميين، ويقول ربما انشغلوا في الفترة الماضية بأمر الانتخابات والتحول الديمقراطي، وهو سعيد بزيارات غيرهم لأنها تعكس مدى شعبيته وإنفعال الناس بما يقدم، هو يجد العذر للرسميين لكننا لا نجد لهم عذراً... فما الذي يكلف وزير الثقافة مثلاً أو وزير الإعلام، أو مدير الإذاعة أو التلفزيون، أو اتحاد أصحاب المهن الموسيقية أو غيرهم من أن يطلوا عليه ويسألونه عن الحال والأحوال؟. الفنون يا سادتي جزء من ثقافة الأمة.. والثقافة مكون أساسي للمجتمعات منذ الأزل، والسياسي الذكي هو ذلك الذي يعرف الطريق جيداً نحو تحقيق الأهداف السياسية الكبرى، وأهمها رفاهية الإنسان التي يشكل الفن أحد أكبر مكوناتها.. لا تتركوا هذا الرجل والفنان الكبير يعيش مرارة الوحدة.. لا تدَعوه وحيداً كسير القلب يشعر بأن ما زرعه لم ينبت أو يثمر.