إننا لا نحتفي بالمتميّزين منّا، ولا نلتفت إليهم، إلّا عندما يحتفي بهم الآخرون خارج بلادنا، لنأتي، بعد ذلك، لننظر إليهم نظرة جديدة ومختلفة، تتدافع فيها إليهم أجهزة إعلامنا، والأمثلة هنا تطول، وتلتقي في أننا نظلم الكثيرين من المميّزين بالداخل، بعدم الالتفات إليهم، ولما يقدمونه من أعمال جليلة. ودعوني أشير إلى حالة رجل اسمه متولي عبد المجيد، اختار مهنة الطب، وبرع فيها، ولم يكتف بالاهتمام بالإيراد اليومي، الذي يأتيه من زوار عيادته، من الأطفال المرضى الكثر، ولكنّه ظل مهموماً بأن يضيف شيئاً جديداً لمهنته، في مجال تخصصه، وقد نجح بالفعل في تجاربه بالداخل، والتي جعلته من أطباء الأطفال المميّزين جداً، وزاد على ذلك بنجاحات مشرفة بالخارج، جعلته في قائمة التميّز الدوليّ، فقد نشرت له مجلة اللانسيت، الذائعة الصيت، أبحاثاً وجدت تجاوباً عالمياً واسعاً، أعقبتها تجارب عملية عليها، أظهرت تحسناً ملحوظاً عند المرضى في كل الأعضاء التي ترسب الحديد، لتصبح طريقته هي الطريقة الوحيدة المفضّلة لعلاج زيادة الحديد، في كل العالم، والتي قامت جامعة لندن على إثرها بترشيحه لجائزة عالميّة، وتّمت دعوته لحضور المؤتمر الثاني عشر لأمراض الأنيميا المنجليّة والثلاثيميا، بدبيّ، والذي اعتاد المرضى حضوره لعدة أسباب، من بينها مقابلة العلماء والباحثين؛ لمعرفة الجديد في معالجة الأمراض، وقد أكّد المؤتمر أن استعمال طريقة د. متولي، باستعمال الدسفرال بطريقة حقنة تحت الجلد، هي الطريقة الآمنة، مقارنة مع ما هو متاح، وأنه قد نتج عنها تحسن عند الأطفال، الذين لا يزالون يمارسون ذلك العلاج بطريقة منتظمة ولم يكتف د. متولي باكتشافه الطبي لخدمة البشرية في كل أرجاء العالم، بل سارع بتسجيل جمعية لرعاية المرضى وأسرهم بالبلاد، في أعقاب تزايد حالات أمراض الدم لدى الأطفال، في ظل معاناة كثير من الأسر في الحصول على أسعار الدواء، خاصة وأن الأدوية القادرة على استخراج الحديد من الجسم باهظة الثمن، وتحتاج المعالجة إلى تضافر الجهود، الشيء الذي يدعونا، ونحن نشاهد الكثير من الأطفال الصغار يعانون، ولا تملك الجمعية الوليدة الإمكانات بولاية الخرطوم، والتي نأمل من والي الولاية، د. عبد الرحمن الخضر، الرجل المهموم بقضايا الناس، أن يكون أول الداعمين لها، كنا نأمل أن تجد الالتفاتة اللازمة، من وزير الصحة القادم، وأن يزور رجال الخير أولئك الأطفال، الذين يعانون ويمدوا لهم أياديهم بالدعم، من باب «من فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة». أخيراً: لا بدّ أن ندعم مثل هذه المشروعات الخيريّة، ونثمّن مجهودات رجل مثل د. متولي، الذي شكل إضافة عالمية، تجعلنا نعتزّ به، وبجمعيته الإنسانية، التي تضم عدداً من كبار الأطباء، مثل د. عاطف أحمد محمد، ود. مديحة فتحي، ود. محمد النصري، وآخرين كثراً، اختاروا منح بعض من وقتهم للعمل الطوعيّ، في زمان الهرولة، التي يمارسها كثير من الأطباء لجمع المال من عملهم في عدة عيادات، وإجراء كثير من العمليات يومياً، بأسعار مرتفعة جداً، في مهنة هي من أرقى المهن الإنسانية، أو هكذا يجب أن تكون.