حين نتحدث عن نهضة الأمة الإسلامية وعن الدور الحضاري الذي يمكن أن تقوم به .. هل نريد أن نحسِّن مواقعنا داخل المنظومة الحضارية السائدة ، فنتحول في إطار الأصول والشروط الحضارية التي وضعها الغرب من أمة تستهلك المنتجات الحضارية إلى أمة تسهم في إنتاجها، مما يعني تدعيم الحضارة الحالية وتعزيز استمرارها مع إنكارنا القواعدَ التي قامت عليها وإنكارنا أدبياتِها ورمزياتِها؟ إذا كان هذا غير ملائم لنا؛ لأنه يوقعنا في نوع من التناقض المنهجي فهل نريد إذًا أن نؤسس حضارة جديدة تحاكي في أصولها ومنطلقاتها وأهدافها، الحضارةَ الإسلاميةَ التي وضع لبنتها الأولى نبينا صلى الله عليه وسلم؟ إذا كان هذا هو المقصود هل يتم هذا في ظل الحضارة الغربية الراهنة، مما يعني إنشاء حضارة منافسة تستلهم عقائد ومبادئ ومُثُلاً مغايرةً لما فيها؟ أو أن المقصود هو دورة حضارية جديدة تعم العالم ، يكون للعرب والمسلمين فيها دور الريادة والقيادة، مما يعني أن الحضارة التي نريد لها أن تقوم لن تقوم إلا على أنقاض الحضارة الغربية؟ الخيار الأول يعني أن علينا أن ننشئ نُظُماً جديدة في المجالات السياسية والاقتصادية والتعليمية والتربوية والصناعية والإدارية؛ لأن ما لدينا من نُظُم تراثية موروثة في هذه المجالات غير كاف لتسيير دفة الحياة العصرية، وبعضه غير ملائم ولا صالح فهل نملك إمكانات مثل هذا العمل الكبير؟ ومن أين تكون البداية؟ أما الخيار الثاني؛ فإنه يعني أن المطلوب منا الآن هو العمل على هزيمة الحضارة الغربية وهدم أركانها تمهيداً لتشييد حضارة إسلامية تحل محلها والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل مثل هذا العمل ممكن؟ أم أنه من الأمور شبه المستحيلة بالنسبة إلينا وإلى غيرنا؟ وفي كل الأحوال؛ هل يمكن للعالم الإسلامي أن ينشئ حضارة منافسة أو بديلة عن الحضارة الغربية وهو مشرذم وموزع على ما يزيد على خمسين دولة؟ وبالتالي : هل يكون علينا أولاً أن نسعى إلى توحيد المسلمين وجمع كلمتهم قبل أن نفكر في إنشاء حضارة بديلة أو منافسة ؟ وإلى أي حد يمكن القيام بهذا الأمر في ظل التخلف الموجود الآن وفي ظل الارتباطات الوثيقة القائمة بين معظم الدول الإسلامية والدول الغربية ، حيث إن العلاقات التجارية بين الدول الإسلامية أضعف بكثير من العلاقات القائمة بينها وبين الدول الغربية ؟ علينا بعد هذا أن نتساءل: لماذا لم نستطع عبر ما يقرب من قرن ونصف من الزمان استيعابَ التطورات الحضارية والتقنية والصناعية التي حدثت في العالم من حولنا؟ وما العوامل التي أدت إلى بقائنا على هامش الحضارة عوضاً عن أن نكون في لُجَّتها؟ أيكون سببَ هذا بُعدُنا عن الإسلام؟ أم أنه الاستعمار وتآمره علينا؟ أم عدمُ وقوفنا من الغرب موقف التلميذ النجيب كما فعلت اليابان مثلاً ؟ أم تمسكُنا بعادات وتقاليد بالية وموروثة عن عصور الانحطاط؟ إذا كان الجواب : إن واحداً منها هو السبب ؛ فكيف يتم التغلب عليه؟ وإذا كانت هذه الأسباب تقف مجتمعة وراء ما نحن فيه ؛ فما وزن كل سبب منها في تعثر النهضة؟!