استلهاماً من العنوان عاليه، فالحديث الواجب والضروري في هذه اللحظات ينبغي أن يتركز حول حملات التيئيس التي تقوم بها الجنائية الدولية لإضعاف ثقة الشعب السوداني في نفسه، اعتماداً على بعض الأوضاع الراهنة، فمن الملاحظ أن التصريحات التي تصدر من المحكمة الجنائية ظلت تتزامن مع الأحداث السياسية والمناسبات المهمة بالبلاد، مما يعكس البعد السياسي للقضية والمساعي التي ترمي إلى النيل من عزة السودان. وأعتقد أننا بحاجة إلى إعادة قراءة تاريخنا قراءة صحيحة، ولابد لنا أن نسترجع تاريخ تلك الأمة ، التي وحَّد صفوفها محمد بن عبدالله - صلى الله عليه وسلم - فاستطاعت تحت رايات الإسلام أن تندفع شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً، وإلى أقصى أطراف الدنيا التي كانت معروفة آنذاك- ، ولم يندفع الأقوياء الموحدون للتخريب والثأر والانتقام، كما فعلت أمم كثيرة قبلهم، أو كما فعلت فيما بعد أمم أخرى مثل التتار من المغول وغيرهم، ولم يكن الهدف الاندفاع للاستعمار واستغلال الآخرين، كما فعل الأوروبيون في القرون الأخيرة، وإنما كان الهدف نشر رسالة إنسانية مُثلى تدعو للخير والرحمة والسلام والتسامح الديني، وتنادي بحق جميع الأمم والشعوب في أن تتخلص من نير الاستعمار والاستعباد المادي والروحي على حدٍ سواء. لقد كان أجدادنا القدامى هم أول من قالوا بحقوق الإنسان، ودونما حاجة إلى إنشاء جمعيات مشبوهة ذات أهداف غامضة، أليست أول دعوة في التاريخ لتحرير العبيد وتحريم الرق نبعت بفضل تعاليم الإسلام السمحة؟ حزيناً أقول إن الذين يتجاهلون تاريخهم ويطمسون أعظم ما فيه، ويركزون فقط على سلبيات ونواقص الحاضر، لا يمثلون هذه الأمة العظيمة، ولا يحق لهم ادعاء القدرة على التعبير عن نبضها الحقيقي. إن بعض ما يقال ويُنشر في بعض الوسائط الإعلامية محلياً وعالمياً خلال الأيام الماضية عن إبلاغ قضاة الجنائية مجلس الأمن بأن الحكومة السودانية تحمي مشتبهاً مطلوباً لديها، وهذا يمثل إساءة بالغة لحيوية هذا الشعب وقوة صموده... فنحن لسنا هكذا.. ولن نكون.. وعار علينا أن يكون لفحيح الأفاعي أي نوع من الوجود المشروع في صفوفنا، وبين ظهرانينا. إننا طلاب سلام عادل وشامل ومتكافئ.. ولكننا في ذات الوقت لسنا عجزة عن استرداد حقوقنا، وحماية استقلالية قرارنا إذا سُدت أمامنا السبل، وأعيتنا الحيل في دفع الآخرين إلى طريق السلام، وانتهاج سبيل الحكمة والرشاد، والكف عن محاولة دس الأنف في شؤوننا الداخلية!. وقد عرفت الحياة السودانية - على طول تاريخها- نماذج شامخة تعكس القدرة على عدم الاستجابة لأي استفزاز، وعدم الاستدراج لدخول معارك في غير زمانها ومكانها، وفي المقابل كانت هناك نماذج لم تستطع مواصلة مشوار العمل السياسي وسقطت مبكراً- رغم نقائها ونظافتها وطهارتها- لأنها لم تفهم قواعد اللعبة جيداً، ولم تدرك أن هناك خيطاً رفيعاً بين الصراحة والمواجهة، وأن هناك خطاً فاصلاً بين ضرورات الحذر وضرورات المناورة! السعداء في هذه الدنيا هم أقدر الناس علي معرفة أنفسهم أولاً، بدلاً من انشغالهم بالتنقيب والتفتيش في عيوب وأخطاء الآخرين، فليس أسعد من المرء الذي يفتش في ذاته ويكتشف بنفسه عوامل وأسباب النقص الداخلي بدلاً من أن يسمح لفيروس الشعور بالاضطهاد أن يتسلل إلى داخله، وتتحول حياته إلى آهة عذاب دائمة تحرمه من لذة الاستمتاع بأي شيء جميل. إن السعادة والتعاسة من صنع أيدينا ومن يود أن يعيش سعيداً عليه أن يعرف الطريق الصحيح لبلوغ السعادة المنشودة التي ليست تأتي بالسلطة أو المال أو الجاه وإنما هي في القناعة والرضا بما قسمه الله. والحقيقة أن السودانيين بسلوكياتهم السمحة أثبتوا لأنفسهم قبل غيرهم أن المنبع الأساسي لقوتهم هو استمرار استمساكهم بطبيعتهم التي أكسبتهم دينهم، وإذا سقطت البندقية الثقافية- لا قدر الله- فقل على هذه الأمة السلام! ساعتها- والعياذ بالله- سوف تكتشف الأمة أنها قد ازدادت تشرذماً بين من اضطروا للانكفاء على أنفسهم، أو من بحثوا عن فضاء آخر غير الفضاء السوداني يستظلون به، أو أولئك الذين سيرقصون- دون وعي- علي أنغام خارجية.إن الوضع جد خطير، ولكن الأمل مازال قائماً في استمرار دعوات الإنقاذ (ما حقت الجماعة)، التي يطلقها بعض حكماء وقادة السودان للحفاظ على البيت السوداني، وهو ما يستوجب ضرورة احتشاد النخبة المثقفة على امتداد وطننا، تمهيداً للانطلاق نحو إصلاحات ضرورية في البيت السوداني ككل، والمهم أن تبقي البندقية الثقافية على أكتافنا. إننا أمام لحظة فاصلة يتحتم فيها علينا أن نُحسن التوقع لما هو قادم ومحتمل، بعيداً عن التمني والرجاء، وبعيداً عن الاستغراق في الأوهام والخيالات سواء من جانب الذين ينتظرون المعجزة التي ستصنعها بعد إعادة تنظيم نفسها، أو من جانب الذين يأملون في المعجزة الديمقراطية التي ستبنيها دول أجنبية على أرضنا، لكي تكون مثلاً ونموذجاً يحتذى به. وأنجح الشعوب هو أبردهم أعصاباً، وأقدرهم على كظم غيظه بين جوانحه، وعدم التعبير الصريح عن مشاعره تحت وطأة الغضب والانفعال! والحقيقة أننا جميعاً معرضون لمواجهة مشكلات الحياة وتحدياتها، ولكننا ننقسم إلى صنفين متباينين تماماً، فهناك من يملك القدرة على التعامل بتوازن نفسي ومعنوي يقيه خطر الاهتزاز، وهذا الأسعد حظاً، وآخر ترتفع لديه معدلات التوتر نتيجة عدم قدرته على التكيف مع واقع الحياة ومتغيراتها، وهو الأتعس حظاً، لأنه الأكثر عرضة للقلق والتوتر وانفلات الأعصاب! خلاصة القول لا نملك سوى الدعاء إلى المولي عز وجل، يا رب ساعدنا على أن نكون عوناً لأنفسناً، وسنداً لإخوانناً، وأن يكون سوداننا بلداً وعنواناً للتسامح الذي لا يقترب من التنازل عن حق من حقوقنا مهما كانت المخاطر، ومهما كانت التضحيات! يا رب إنك العدل الذي لا يقبل الظلم، ودعاؤنا إليك أن تغسل كل همنا، وحزننا بعد أن وقعت دول تحت الاحتلال وهدمت المباني علي رؤوس الأبرياء، وازداد البكاء والنواح من كثرة الذين سقطوا صرعى للقتل والاغتيال، في مشاهد دراماتيكية مفزعة تؤكد غياب الحدود والفواصل وانهيار القيم والتقاليد، فالقوي ينقض على الضعيف، لفرض إرادته واستعراض جبروته دون رحمة وبغير حياء! آمييييييييييين.