أرصدة حب الناس تختلف من شخص لآخر، ومن مجتمع لآخر، والسودان مازال بلداً للأمن والأمان لكل من أتاه أو استند به، والملايين من السودانيين يضعون حبهم في قلوبهم لمن يعترفون بفضله ودوره في حماية استقلال الوطن وحرية المواطن، ويقدرون له طاقة الصبر الهائلة التي يختزنها في داخله، وتمنحه طاقة التسامح الهائلة التي يرتفع بها فوق أية صغائر وفوق أية تجاوزات. اجتاز السودان الانتخابات كمرحلة فاصلة في مسيرة الإصلاح السياسي، حتي بدأ الغاضبون عزف لحنه علي إنجاز يُحسب في النهاية لهذا الشعب، ولم يستطع هؤلاء الوقوف لحظة عند حقيقة أن الديمقراطية أينما وجدت تتيح للجميع حرية التعبير عن الرأي، ولكنها لن تحقق لكل الآراء أهدافهاولن ترضي جميع الأطراف..وهذا ما تحقق في الإنتخابات.. حيث نسي الغاضبون ما توافقوا عليه مع الأغلبية وتوقفوا طويلاً عند ما اختلفوا عليه فأرادوا تغييب الإنجاز عن الوعي العام، والتشويش علي فرحة الملايين من السودانيين بالداخل والخارج. عاد الغاضبون إلى العزف على أوتار اعتدنا سماعها، ومللنا نغماتها التي تلوثت بها مسامعنا من طول تكرارها ونشازها فالمقطوعات اللحنية الجديدة تطول هذه الأيام على خلفية الإنتخابات، واللافت للنظر أن تلك الأصوات في وقت واحد تثير شيئاً من الشك والريبة فليس الإعلام السوداني بقنواته وصحفه المتنوعة عاجزاً عن استيعاب تلك الآراء التي ذهب أصحابها إلى نشرها عبر وسائل الإعلام الأجنبية إلا إذا كان هؤلاء يريدون مخاطبة جمهور من غير السودانيين لأهداف يعلمونها !. ولعل ذلك يدفعني إلى القول إن حزب أصحاب الحناجر ظاهرة موجودة في كل عصر ومنتشرة في كل مجتمع، وهؤلاء هم أقدر الناس على إدعاء القدرة على تشخيص أمراض المجتمع ووضع الروشتات النظرية لعلاج هذه الأمراض.. والحقيقة أن أكثر ما يغيب عن مثل هؤلاء المتصايحين أن هناك مسافة واسعة بين التفكير النظري والتنفيذ العملي لأن التفكير النظري يمكن أن يصل بنا بسهولة إلى شواطئ أرض الأحلام البعيدة، التي تتردد في الحكايات والأساطير القديمةأما التنفيذ العملي فشيء آخر، يحتاج إلى معرفة تامة وحقائق مؤكدة قبل البدء بخطوة العمل الأولى التي لا يمكن أن تترك لمحض المصادفة. فما تمَّ أنجازه في السودان على كل المستويات حتي الآن مصدر فخر وعزة للسودانيين جميعاً, ولن ينال من عزيمتهم أن تنشر تلك الآراء في الداخل أوالخارج، فالافتراءات والأكاذيب والضغائن تظل على حالها التي عبر عنها أصحابها، ولنا من الإرادة والهدف ما لن يخضع لضغوط الداخل أو الخارج أيضاً. هناك حقيقة لابد أن تكون واضحة للجميع، وهي أن الريادة السودانية ليست صنيعة زعامة سياسية في فترة ما من تاريخنا، وإنما هي نتيجة طبيعية لعوامل كثيرة فالسودان رائد بالتاريخ والجغرافيا وموارده البشرية، وتجربته الثقافية، والسياسية، والاجتماعية، وهذه الريادة هي قدر المنطقة، وهي حقيقة يؤمن بها شعبه رضي المرجفون أم أبوا. إننا بحاجة إلى النقد، ولن تستقيم حياتنا بدونه في السياسة والفن والثقافة والأدب ولكن النقد الذي نريده هو ما ينطلق من الحرص على التجويد، وتسديد الخُطى المقبلة، وليس ذلك النقد الذي يُبنى على حقد وحنق وغضب ونحن لم ننته بعد من مواجهة مشكلاتنا، ولكننا ماضون في سبيل ذلك، وقد تحقق الكثير من الإنجازات، ولابد أن نعرف حجم ما تحقق ليكون عوناً لنا في مسيرة طويلة لن تتوقف. أما ما يردده البعض من افتراءات فلن تفيد أحداً منا وسوف ترتد يوماً إلى قائلها. وليتنا نجعل من لحظة اقترابنا من بداية مرحلة جديدة مدخلاً لوضع شعار النظام موضع التنفيذ لأننا بالفعل لا ينقصنا سوى النظام ووحدة الصف، كبوابة عبور إلى شاطئ الأهداف والمقاصد المرجوة في كل موقع من مواقع العمل. نحن نستقبل حكومة جديدة(مُنتخبة)، لا نملك سوى الأمل، والرجاء، والتمني، والدعاء والابتهال إلى المولي عز وجل، أن يزيل الغمة عن السودان وأن تتوقف هجمات التسلط والهيمنة! .. يارب لم يعد لنا سواك لكي ترفع الظلم عنا، وتنير لنا بصيرتنا، وتهدينا سواء السبيل، لنعرف أن ضعفنا بسبب فرقتنا، وأن عزنا ومجدنا رهن بتكاتفنا ووحدتنا يارب إننا نواجه عصراً أصبحت معظم مفاتيحه في أيدي حفنة من الظلمة والقتلة، ومن تستوطن نزعة الشر في عقولهم وتسيطر الهمجية والعشوائية على تصرفاتهم، ولهذا نسألك أن تمنحنا قوة الصمود، وقوة الإرادة، حتي لا ترتعد فرائص البعض منا، ويتملكنا الخوف والرعب والفزع فتذهب ريحنا .. يارب ساعدنا على أن نكون عوناً لأنفسنا، وسنداً لإخواننا، وأن تكون بلادنا عنواناً للتسامح، الذي لا يقترب من التنازل عن حق من حقوقنا مهما كانت المخاطر ومهما كانت التضحيات. يارب إننا دعاة سلام ولسنا دعاة حرب ولكننا نواجه الآن استفزازات لجر المشكل ولهذا نسألك أن تمنحنا القدرة على كظم الغيظ ولكن إذا كتب علينا القتال فإنك الحق الذي ينتصر دوماً لأصحاب الحق. يارب إننا نريد أن نعيش أحراراً في وطننا ببساطته وعفويته، نتنسم الهواء بين الرمل والماء على شواطئ البحر والنهر، من خلال ثقافة توارثناها جيلاً بعد جيل، وتعلمنا منها أن معايير السعادة والهناء لا تختلف كثيراً عن معايير البؤس والشقاء فالروح عندنا أجدى وأهم من أي ماديات يريدون أن يدفعونا باتجاهها باسم الحداثة والتحديث. يارب إننا نسألك أن تلهم شعبنا الوعي والبصيرة، لكي ندرك أن الثقافة الصحيحة هي التي تلم ولا تشتت، وتجمع ولا تفرق، وتربط ولا تقطع، وتتعايش ولا تتناحر، وتتفاهم ولا تتجادل وإن اختلفت فهي لا تعاند، وإن تخاصمت فإنها لا تفجر. يارب امنحنا القدرة على التعامل مع عصر جديد، كثرت أكاذيبه وتعددت نزواته، وتعاظمت درجة المكر والخداع فيه، حتي هيئ للبعض منا أنه عصر بلا نهاية، وأن صفحات الظلم فيه لن تطوي أبداً وأن الفجر لن يطلع مرة ثانية. يارب ساعدنا على أن نتحد من أجل الخير، وأن نخرج من غيبوبة الوهم بجدية الآخرين على مساعدتنا، لأنه لن يخرجنا من المأزق الراهن سوى العمل والعمل، وأنت جل شأنك القائل في محكم كتابك:وقل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون) صدق الله العظيم