أكثر من «100» عاماً تقريباً هو عمر السكة الحديد بالسودان، حيث دخلت مع مجئ الاستعمار الإنجليزي للسودان.. وكان القطار هو الناقل الأوحد الذي ربط هذا البلد المترامي الأطراف، وكانت السكة حديد أكبر مؤسسة توظيف في ذاك الزمان، حيث كان معظم سكان البلاد يعملون بها. وكانت مثالاً للانضباط والدقة.. كان الناس يمسكون الساعة لدخول أحد قطاراتها ويضبطون الوقت عليه.. والقطارات نفسها كانت معروفة للناس مثل قطار «كريمة» وقطار «أكسبريس حلفا» و «محلي أبو حمد» وقطار«بورتسودان»، هذا غير قطارات البضاعة التي لا تحصى ولا تعد وغيرها... الكل يعرف أن رئاسة السكة الحديد كانت بمدينة «عطبرة» وكان بها العدد الأكبر من العمال والموظفين.. و«عطبرة» سُميت ببلد الحديد والنار لوجود ورش السكة حديد المركزية بها. وجدير بنا أن نذكر أن هذه المدينة قد تعرضت خلال الحرب العالمية الثانية للقذف بالطيران الإيطالي، وذلك لتعطيل الحركة في كل السودان - وإن دل هذا على شئ إنما يدل على حيوية هذه المدينة. وكانت مدينة عطبرة تعج بالناس في كل المواسم بدخول القطارات وخروجها منها، وصافرة القطار المشهورة التي كانت تعني بداية العمل ونهايته في تلك المدينة.. وكانت توجد بعطبرة مجموعات من الأجناس المختلفة من «أقباط» و «أغاريق» وغيرهم.. كانت القطارات في السابق تعد واجهةً سياحية جميلة للسودان ووجهاً مشرقاً، حيث كان منظرُ القطار بكل درجاته المختلفة من «أولى، ونوم، وثالثة، الممتازة والبوفيه» جميلاً ومرتباً ومنظماً، وكانت هناك «الصوالين الرئاسية» الجميلة التي لا ندري ما حلَّ بها الآن. وقد تغنى كثير من الشعراء بالقطار ومدينة عطبرة وأبدعوا في الوصف والإجادة.. شهدت السكة الحديد تدهوراً في أواخر العهد المايوي.. وذلك للسياسات غير الرشيدة وغير الحكيمة التي لم تراعِ مصلحة البلاد والعباد.. وظل التدهور ينخر في جسد السكة حديد حتى صارت عظاماً بلا غطاء.. وأصبحت شبحاً.. ونَقْل رئاسة السكة حديد من مدينة عطبرة قضى عليها، حيث كانت السكة حديد تعتبر حياةً لعطبرة فالكل يعتمد عليها من تجار وصناع و موظفين وطلاب .. وبلغ التدهور قمته بفصل العمال في التسعينيات بقرار من نائب الوالي في ذاك الزمان... حيث شُرِّد العمال وماتت بعدهم هذه المؤسسة العريقة .. من ذلك الوقت لم تقم للسكة حديد قائمة حتى الآن!!وفي الحلقات القادمة إن شاء الله سنواصل في مسيرة السكة حديد.