يؤكد رئيس الجمهورية في كل لقاء أن حزبه مع الوحدة، وأنه إذا ما أختار الجنوبيون الانفصال في الاستفتاء سيجدون منهم جواراً طيباً.. أما الفريق سلفاكير رئيس الحركة الشعبية، فإنه اكتفى بالقول مراراً بأنه سيرمي بصوته في صندوق الوحدة.. بينما البشير وسلفا بامكانهما حسم كل الجدل الماثل حول الوحدة والانفصال، بالتقدم خطوة في تصريحاتهما ومواقفهما، فالسيد سلفاكير لو قال: إننا سنصوت في صندوق الوحدة، فإنه يوصد باب تعدد الاحتمالات والتفلتات، وهو القائد صاحب الكلمة الأولى والأخيرة، وهو الذي أبعد عرمان عن السباق الرئاسي في الانتخابات في آخر لحظة، وأقنع الجميع بضرورة الانسحاب، وعدم منافسة البشير، وأيامها لم يجد عرمان شيئاً يقوله غير (إن ما جرى لن يحدث الخلاف بين قيادات الحركة)، ويقيني أنه لو أكد سلفاكير وقوف حركته بجانب الوحدة، لن يخرج عنه حتى باقان، ولو فعل لما خرجت المسيرة الشبابية في جوبا إلى قبر الزعيم الراحل د. جون قرنق، تلك المسيرة التي خالفت بخروجها- إلى قبر الزعيم- روح وقناعات قرنق، التي تدعو للسودان الجديد، والذي لا يدعو للانفصال، كما خالفت اتفاقية السلام التي تدعو للعمل للوحدة، والتي جعلت خيار الانفصال يأتي حالة الفشل في التعايش.. فالمسيرة التي أطلق عليها أصحابها (شباب من أجل الانفصال)، مسيرة مصنوعة، دفعت بها عناصر من الحركة الشعبية، استغلت موقف قائد الحركة غير الحاسم، مما جعل تلك العناصر ذات الأجندة الانفصالية تخرج تلك المظاهرة المصنوعة، والدليل أن السيارات التي كانت فيها كلها سيارات حكومية، تتبع للحركة الشعبية.. وقطعاً أن سلفاكير بموقفه غير الجازم والقاطع يفتح الباب لمثل هذه الممارسات، التي تعطي إشارات سالبة، وتغضب أهالي الجنوب الذين يعيشون في الخرطوم، ولهم مصالحهم المختلفة فيها، من تعليم، وتملك لعقارات وغيرها، وبلا شك أن البشير وسلفاكير اللذين حافظا على اتفاقية السلام (5) سنوات دون أن تنهار، مثلما يحدث لكثير من الاتفاقيات المماثلة في أفريقيا، بحاجة إلى مواقف يتفق فيها الرجلان، على جعل الوحدة خطاً لحزبيهما، لا يخرج عنه أحد من منسوبيهما.. ونعلم أن الجنوب أغلب أهله مع همومهم الحياتية، وفي مراعيهم ومزارعهم، ولا يهمهم شئ غيرها، إن الطبقة السياسية هي وحدها التي تتحدث في السياسة، وتتكلم بألسنة البسطاء الذين يشكلون الغالبية.. أخيراً: ليت الحكومة تجمع مفاوضي نيفاشا من الجانبين في لقاء ودي خارج أسوار المؤسسات الحكومية، للتفاكر حول المستقبل من خلال النظر إلى الاتفاقية، التي تم التوصل اليها، بعد أن كانت البداية متعثرة، وكان مفاوضو الحركة يرفضون حتى الأكل مع الوفد، ويقولون ( لن نأكل وبيننا دم)، إلا إنه مع اقتراب الاتفاق تغير الحال، وصار التقارب كبيراً، ثم تحول الأعداء إلى أصدقاء، ومايزالون يجترون الذكريات عندما يلتقون، فهم وحدهم الأكثر تفهماً للاتفاقية وروحها، والأقدر على تجاوز مطباتها، وقد يفضي اللقاء إلى تشكيل جسم يؤجل الاستفتاء إلى عامين، يتولى فيها تعزيز الثقة وتمتين الروابط، حتى يأتي الاستفتاء بعدها في روح مختلفة عن الحالية، يدرك فيها الجميع مخاطر الانفصال، الذي لن يسر صليحاً.. وربما يفضي هذا المقترح إلى طريق ثالث بعيداً عن صراع الوحدة والانفصال.