هي نفس الصورة التي كانت سائدة قبل الانتخابات في الساحة السياسية من لقاءات مكثفة ومباحثات تجمع بين اطراف الازمة السودانية الا أن هذه المرة بعيدة عن حسابات الانتخابات والابعاد الحزبية الضيقة، فالقضية المطروحة اليوم هي تتعلق بمصير بقاء السودان موحدا او ينقسم لدولتين بعد ستة اشهر من الآن عبر تقرير المصير الذي يأتي في ظروف معقدة جدا تحتاج لكثير من "الحكمة" حتى يخرج الاستفتاء بصورة ترضي كافة الأطراف. الدعوة التي اطلقها رئيس الجمهورية المشير عمر البشير للقوى السياسية لاجتماع جامع يعقد لمناقشة قضية الاستفتاء وجد صدى واسعا من قبل القوى السياسية المعارضة التي ظلت تدعو دائما لضرورة طرح قضية تقرير المصير لكافة القوى السياسية باعتبارها قضية لا تهم المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لوحدها وانما كافة قطاعات الشعب السوداني الا أن البعض فسر هذه الدعوة واللقاءات التي انخرط فيها البشير مع رئيس حزب الأمة القومي الإمام الصادق المهدي ورئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الاصل مولانا محمد عثمان الميرغني بجانب لقاء نائب الرئيس علي عثمان محمد طه بسكرتير الحزب الشيوعي محمد إبراهيم نقد بأنها جاءت في اطار اشراك هذه القوى في "وزر" الانفصال في حالة حدوثه وخروج المؤتمر الوطني من دائرة الاتهام بأنه جلب الانفصال إلا أن القوى السياسية اعتبرت الخطوة جيدة في اتجاه بلورة رأي موحد يجعل البلاد موحدة بجانب اجراء استفتاء آمن يضمن الاستقرار في حال الوحدة او الانفصال. نفس المشهد وفي الجانب الآخر نجد "الشريك الاصغر" الحركة الشعبية عادت "لعادتها القديمة" في الاستعانة "بالاصدقاء" من قوى الإجماع الوطني "قوى جوبا" في تقوية موقفها السياسي في مواجهة الشريك الاكبر "المؤتمر الوطني" حتى تضمن على الاقل وقوف القوى السياسية الشمالية في حالة تعنت "الوطني" في اي من ملفات ترتيبات الاستفتاء حيث دخل النائب الاول لرئيس الجمهورية رئيس حكومة الجنوب رئيس الحركة الشعبية الفريق سلفاكير ميارديت منذ أمس الأول في اجتماع مع قادة قوى الاجماع الوطني تقدمهم الامين العام للمؤتمر الشعبي د. حسن الترابي ورئيس حزب الأمة القومي الصادق المهدي ورئيس المجلس المركزي للتحالف الوطني السوداني العميد(م) عبدالعزيز خالد بجانب رئيسة حركة القوى الجديدة (حق) هالة عبدالحليم بمنزله بالخرطوم استمر قرابة الساعات الخمس يبدو انه دار فيها حوار عميق بين القوى السياسية والحركة الشعبية في اطار "ترتيب الصفوف" قبيل اجتماع اليوم. إضافة أجندة بعد كل هذه الساعات خرج الإمام الصادق المهدي وقال للصحفيين إن الاجتماع كان بدعوة من قبل سلفاكير لتبادل الآراء حول الاجتماع المقرر عقده مع الرئيس البشير. بعدها جاء نائب الامين العام للحركة الشعبية ياسر عرمان الذي وصف الاجتماع بالمهم وناقش الدعوة المقدمة من قبل رئيس المؤتمر الوطني المشير عمر البشير على حد قوله للاجتماع الجامع المقرر لمناقشة قضية الاستفتاء، مشيرا إلى أن الاجتماع خلص لضرورة أن يتناول الاجتماع كافة القضايا السياسية السودانية وفي مقدمتها قضايا الحريات التي اعتبرها مدخلا لحل كافة قضايا السودان كما ناقش الاجتماع ضرورة أن يجري الاستفتاء في الموعد المحدد له بمشاركة كافة القوى السياسية حتى يضمن قيام استفتاء يرسي الاستقرار في حالة الوحدة او الانفصال بجانب حل قضية دارفور بجانب الاهتمام بتحسين الاوضاع المعيشية، مضيفا أن الاجتماع كلف الفريق سلفاكير بنقل هذه النقاط للرئيس البشير. تأجيل الموعد وباعتبار أن هذه فرصة سياسية تريد كافة الاطراف أن تستفيد منها طالبت قوى الاجماع الوطني بأن يتم تأجيل موعد الاجتماع بدلا من اليوم حتى يوم الخميس القادم او اي وقت آخر تتفق عليه القوى السياسية ويكون هنالك تحضير مسبق للاجتماع. ويبدو أن حزب المؤتمر الشعبي يقف "بقوة" وراء تأجيل الاجتماع وضرورة تحضير قضايا محددة يتم النقاش فيها وهذا ما فهمته من الأمين السياسي كمال عمر حيث طالب بضرورة قيام لجنة تحضيرية تضع عددا من القضايا المهمة في اطار النقاش والا فإن الاجتماع سيصبح "للعلاقات العامة" فقط على حد قوله- مشيرا إلى أن ازمة البلد يجب أن تحل عبر منابر قومية يتفق ويشارك فيها الجميع. الميرغني جاهز وفي اجتماع منفرد بين سلفاكير ورئيس الحزب الاتحادي الاصل مولانا محمد عثمان الميرغني خرج بعدها الميرغني داعيا لضرورة توسيع التشاور في قضايا البلاد، مشيرا الى أن الاشكالات لا يمكن أن تحل في اطار الشريكين فقط، مبديا تفاؤله بأن يأتي الاستفتاء بالوحدة، مؤكدا أنهم ماضون في اتفاق الميرغني قرنق ، مطالبا بضرورة حل قضية دارفور بجانب بحث قضايا الوطن بعيدا عن المصلحة الذاتية والشخصية. وذكر الميرغني انه طرح على الرئيس البشير وسلفاكير مشروع الوفاق الوطني الشامل بدلا عن الثنائية لأن قضايا السودان والاستفتاء ليست مسئولية البشير وسلفاكير لوحدهما بل كافة اهل السودان ومطلوب دعمهما في الاشياء الصحيحة ونصيحتهم في الخطأ، مشيرا الى تسلمه دعوة من الرئيس البشير لحضور اجتماع اليوم إلا انه ارجع نجاح الاجتماع وخروجه بنتائج لتحضيرات تسبقه يتم التفاكر فيها على اجندة وموعد انعقاد حتى لا يكون الاجتماع عبارة عن "مظاهرة أو دعاية سياسية" إلا انه تعهد بحضور الاجتماع في حالة انعقاده، معلنا عن زيارة مرتقبة له لمدينة جوبا تلبية لدعوة تلقاها من رئيس الحركة الشعبية سلفاكير. قضايا الاستفتاء عقب هذه اللقاءات الماراثونية وصل نائب الرئيس علي عثمان محمد طه ودخل في اجتماع قصير مع سلفاكير ويبدو انه تسلم خلاله الرؤية التي خرجت بها قوى الاجماع الوطني في اجتماعها مع سلفاكير. وقال في تصريحات عقب خروجه بأن لقاءه مع سلفاكير تناول قضايا السلام والتحضير للاجتماع مع القوى السياسية والذي وصفه باللقاء الوطني الجامع للتفاكر حول قضايا الاستفتاء. السيناريوهات المحتملة يبدو أن اجتماع قوى الإجماع الوطني لم يحسم المشاركة خاصة إذا لاحظنا دعوة المؤتمر الشعبي لضرورة التحضير المسبق لعقد هذا الاجتماع وهذا ايضا ما عبر عنه عرمان في الرسالة التي حملها القادة لسلفاكير وايضا جاء حديث الميرغني في هذا الاطار حين قال "يجب أن يتم التحضير لأجندة الاجتماع حتى لا يكون دعاية أو مهرجانى سياسي فقط" اما د. الترابي فأعلن انه استلم الدعوة مساء الاربعاء الماضي ويقوم بدراسة موقفه من المشاركة أو الرفض. كل هذه التفاعلات قد تنتج عدة سيناريوهات منها أن يعقد الاجتماع بمن حضر من القوى السياسية خاصة وان الميرغني اعلن انه سيشارك في الاجتماع إذا كان قائما. وابدى نقد كذلك استعداده للمشاركة حتى لوكان الاجتماع بعد "ربع ساعة" على حد قوله- ويوجد ايضا احتمال تأجيل الاجتماع لموعد آخر حتى تكتمل المشاورات ويفضي لمشاركة كافة القوى السياسية للخروج برؤية موحدة في قضية الاستفتاء. دور إيجابي ولمعرفة الدور الايجابي الذي يلعبه هذا الاجتماع الذي تلتقي فيه كافة القوى السياسية يقول المحلل السياسي د. أسامة زين العابدين في حديث ل (السوداني) إن الاجتماع بغض النظر عن موعده يشكل امرا ايجابيا وهي خطوة كانت القوى السياسية تدعو لها حتى تلعب دورا في قضية الاستفتاء وبالتالي تذهب إلى دعواها لجلب الوحدة وهي تجمعها علاقات جيدة مع الحركة الشعبية بجانب أن الاستفتاء قضية قومية، مشيرا إلى أن نجاح الاجتماع يرتبط بالخروج برؤية موحدة لدعم الوحدة وان حدوث امر غير ذلك يعتبر امرا سلبيا. ... إذا قام الاجتماع أو لم يقم يظل إلتقاء القوى السياسية للتفاكر حول قضية الاستفتاء امرا مهما حتى يتم وضع إستراتيجة لإنقاذ الوحدة او حتى الاتفاق على انفصال يجنب البلاد ويلات الحروب.