التشكيل الوزاري الذي أعلنه السيد رئيس الجمهورية، هو، قطعاً، لحكومة الغرض منها خدمة أهل السودان جميعاً، ونسأل الله أن تكون حكومة خير وبركة. وهكذا نحن أهل القبيلة الاتحادية، ومهما أصابنا من الأذى والظلم، فإن قلوبنا دائماً على الوطن وأهله، إلاّ إننا نرى أنفسنا فيه أصحاب حق أصيل، والسودان نحن من بناته، وصناع مجده وتاريخه. ولا يوجد فيه أكثر منا حقاً. ولهذا فنحن نهنئ من تمّ اختيارهم من الوزراء، ما داموا من أبناء هذا السودان. ولكن الذي نأخذه على هذا التشكيل الوزاري، العدد الكبير، والذي وصل إلى 77 وزيراً، وهو قطعاً اختيار لم تتمّ فيه مراعاة ظروف البلاد، والتي لا تستطيع ميزانيتها الوفاء بسداد البند الأوّل، وهي المرتبات والأجور، ونحن نرى الأطباء يضربون عن العمل لأنهم لا يجدون ما يستحقون من رواتب ومخصّصات. كما أنّ الوضع الاقتصاديّ، وبعد شهور قليلة، سيصيبه ضعف كبير عندما، لا قدر الله، يحدث الانفصال، ويذهب عائد البترول إلى الإقليم الجنوبي. ومع كل ذلك فنحن نرحب بمن تم اختيارهم من الوزراء، ونحن في الحزب الاتحادي الديمقراطي، قد كنا أكثر المهتمين بهذا التشكيل. وظللنا نتابعه ونترقّبه؛ لأننا قد كنا نخشى منه أن يشملنا أو أن نكون أحد أفراده؛ لأننا قد كنا نتابع الاهتمام الكبير، والجهد المكثف من المؤتمر الوطني، وهو يسعى لإقناع بعض قياداتنا بالمشاركة في الحكومة، وكذلك يحرّكون معهم بعض الأيادي، من المحسوبين على الحزب. وذلك لبثّ الإشاعات، وإطلاق التصريحات المضلّلة والمشينة، والتي تؤكد بأنّنا سنشارك مع الحزب الذي قلنا له: إنّنا لا نعترف بفوزك بالانتخابات، التي جاءت بك؛ لأنها انتخابات مزوّرة.. ولا ندري، فهل يمكن أن نكون قد قلنا كل هذا، ثم نأتي لنتراجع، ونأتي لنشارك مع هؤلاء؟ إنّه أمر لا يستقيم ولا يعقل. ولذلك فقد كنا في حيرة من أمر هذه المحاولات الجادّة، والتي نرى بأنها مريبة. لأن حزب المؤتمر الوطني لا يبحث عن أمر فيه مصلحة الحزب الاتحادي أو إصلاح حاله. وكنا نلاحظ بأن بعض الصحف قد اجتهدت لإعطاء أمر المشاركة الكثير من الاهتمام، بل إن مشاركة الاتحادي الديمقراطي في الحكومة قد أصبحت مادة أساسية لبعض الصحف. حيث تأتي كل صباح بخبر جديد، وتصريحات من زيد وعبيد. وحديث عن لجان واجتماعات، ومفاوضات تناقش المشاركة، وكل هذه الإشاعات قد كانت لا أساس لها من الصحة، بل الغرض منها إثارة الكثير من البلابل، بين جماهير الحزب؛ لأنه قد كانت هناك بعض الأنباء المسيئة للحزب، والتي تقول بأننا نتهافت من أجل المشاركة، لأن المؤتمر الوطني يرفضها، إلا إنه قد اشترط علينا في حالة قبوله لمشاركتنا أن نعترف له بنتيجة الانتخابات. إنها أنباء مضللة، ولكنها بكل أسف قد وجدت من يصدقها، وزرعت الكثير من الخوف عند الكثيرين، خشية من مشاركة حزبهم مع المؤتمر الوطني، وهي مشاركة قد ظلوا يرفضونها، ويغضبهم ويدهشهم مجرد الحديث عنها، ومع حزب اختلفوا معه، وقالوا عنه قبيح القول. وهل هناك أقبح من تهمة التزوير؟ وجماهير الحزب الاتحادي قد وصلت لدرجة انعدام الثقة في حزب المؤتمر الوطني، وتعلم بأنه لا يبحث لأمر فيه الإصلاح والخير لهم. بل إنه ظل يبحث عن نهاية الحزب، ومسحه من الوجود، وهي أمنية قد ظل يعمل ويخطط لها منذ أن استولى على الحكم، باسم الجبهة الإسلامية، يوم جاء على ظهر دبابة، وقد ظل منذ ذلك الزمان يوجه جهده ضد الحزب الاتحادي، بكل أساليب الحرب الإعلامية والإشاعات؛ لإضعافه وتشويه صورته أمام جماهيره، وسعى لسياسة فرّق تسد، لتمزيق صفوفه، وهدم وحدته، ووجد بكل أسف من يستجيب لدعوته، وهناك الآن من يتوالى معه، بل أصبح جزءاً أصيلاً، ويتقاسم معه فتات من السلطة، وآخر محاولات المؤتمر الوطني ضد الحزب الاتحادي، ومع سبق الإصرار والترصد، ما فعله بإقصائه من الانتخابات الأخيرة. ونكرر القول الصريح بأن حزب المؤتمر الوطني لا يريد لنا خيراً، بل يتعمد كل ما يلحق بنا الضرر.. ولذلك لا نطمئن للمشاركة معه، وعندما كثر الحديث عن المشاركة عاشت الجماهير الاتحادية مع القلق؛ خوفاً أن تصبح حقيقة.. واشتدّت حمى الإشاعات تؤكد المشاركة رغم النفي المتكرر -وفي الأيام الأخيرة سمعنا بأن ملف المشاركة قد سلم للمؤتمر الوطني- وأنّ مولانا الميرغني سيحضر لتوقيع المشاركة، وبكل أسف، ومع كل هذا الجو المتوتر، لم نجد من يحسم هذه الإشاعات، ببيان واضح وصريح، ينفي أو يؤكد المشاركة. مع وجود أفراد من بين صفوفنا هم وراء كل هذه الإشاعات؛ خدمة لمآرب المؤتمر الوطني ضدنا. وإني أقول بصدق: ما كنت أطيق أن أسمع من يتحدث عن المشاركة، ولا يسألني عنها؛ لأني أعتبرها خزياً وعاراً، لا يشبه الحزب الاتحادي الديمقراطي، وكنت على ثقة بأنها ستحدث ضرراً بليغاً بوحدة الحزب. وأنا في هذا الموقف كنت أسأل نفسي، وأقول: ماذا سيكون موقفي إذا حدثت هذه المشاركة لا قدر الله؟ فعزمت، بل قررت بإحالة نفسي إلى المعاش الاختياري، من أي عمل سياسي، ولكن سوف تتواصل علاقتي بالطريقة الختمية، في حدود أنشطتها الدينية. وقد كنت أرى في مشاركة الحزب الاتحادي مع المؤتمر الوطني، هو الموت البطيء للحزب. وقد كنت أحس بالحرج، وبالإساءة تلحق بالحزب الاتحادي، عندما تكتب الصحف بأن نصيبنا المشاركة سيكون بوزيرن، وعلى شرط اعترافنا بالانتخابات. فهل هناك إساءة أكثر من ذلك. لقد ظللت أكتب معارضاً هذه المشاركة، وبصحيفة (آخر لحظة) كتبت موضوعاً بعنوان: «لا وألف لا لمشاركة الاتحادي في الحكومة» وأؤكّد بأن هذا الموقف ليس موقفي وحدي، بل هو موقف كل القاعدة الاتحادية، ولكن الذي يغضبني ويغضب غيري هؤلاء القلة، الذين يؤيدون المشاركة.. وفي اليوم الذي تم فيه إعلان المشاركة اتّصل بي أحد الإخوة العاملين في مجال الصحافة، وأخبرني مطمئناً بأن الوزارة قد تم تشكيلها، وأن الحزب الاتحادي خارجها، وبعد قليل سوف يذاع هذا التشكيل، وحمدت الله كثيراً على هذا النبأ الطيّب، واتّجهت إلى التلفزيون لأسمع نشرة الأنباء، وبالفعل جاءت الحكومة لا تضمّ اتحادياً واحداً، ولا حتى الذين ظلوا يتحرقون شوقاً ويتطلعون إلى هذه الكارثة، والتي لم يفكروا في عواقبها على الحزب الاتحادي، بل فكروا في ذواتهم الفانية، ولكن الله لم يحقق أمانيهم، وإني لابد أن أقول: شكراً للمؤتمر الوطني والذي تجاوزنا، وقد كانت حساباتهم صحيحة، وقد احترمونا، واستجابوا لرأي الأغلبية، وقطعاً قد أحسوا برفضهم للمشاركة معهم؛ لأنه لا يوجد ما يقنع بها، وأن أهل المؤتمر الوطني قد فعلوا خيراً باستئصال كل الراغبين من شبابهم، أهل النضال، وأصحاب الحق، في وجود نظام الإنقاذ وكفى الله المؤمنين القتال، أما مبررات المشاركة عند بعض المحسوبين على الحزب، بأنها ضروريّة لوحدة الوطن، ونقول لهؤلاء بأن الحفاظ على الوطن لا يتحقق بالمشاركة في الحكومة، بل يتحقق بالانتماء الصادق لهذا الوطن، والحزب الاتّحادي نعم هو صاحب الأغلبية في السودان، ولكنه ليس هو كل السودان. وإن حدث ما يستوجب الوقوف صفاً واحداً مع الوطني، فإن هذا يلزم الجميع، ولو كانوا غير مشاركين في الحكومة، وأقول بأن فرحة الاتحاديين بخروجهم من التشكيل الوزاري قد كانت أكبر فرحة من الذين تم اختيارهم كوزراء، وفي تلك الليلة السعيدة، كنت، ولوقت متأخر، أتلقّى تهاني الفرح من الأشقّاء الحادبين على مصلحة الحزب، وقد كانوا يكرّرون عبارة: الحمد لله الذي عافاهم مما ابتلى به غيرهم، وإنّي وبهذا التشكيل أهنئ كل أهل القبيلة الاتحادية، لأن الله قد نصرهم نصراً مبيناً، فله الحمد والشكر مكرراً.