لقد أعلن أخيراً وبعد طول انتظار وترقب التشكيل الوزاري الجديد للحكومة، بعد ثلاثة أسابيع من أداء السيد رئيس الجمهورية القسم أمام الهيئة التشريعية القومية.. والملاحظ أن عدد الوزراء الاتحاديين كبير، وليس له مثيل في تاريخ السودان الحديث، وكذلك فإن عدد وزراء الدولة ضخم، وكان وزراء الدولة مؤخراً يحضرون اجتماعات مجلس الوزراء بطريقة شبه راتبة، ويظهرون عند عرض الأخبار بالنشرة الرئيسية بالتلفاز.. وفي فترات ماضية كانت اجتماعات مجلس الوزراء تقتصر على الوزراء الاتحاديين فقط، ولا يحضر وزراء الدولة إلا إذا كانت أجندة جلسة مجلس الوزراء تتضمن أمراً يتعلق بوزاراتهم، ولكن إذا اجتمع هذا الجيش الجرار المكون من سبعة وسبعين وزيراً بالمؤكد أن فرص المشاركة في المداولات، وإبداء وجهات النظر ستغدو باهتة، ولن تتاح الفرص إلا لقلة، لأن الزمن محدود، وأن على الآخرين الاستماع والمشاركة في إجازة المواضيع في النهاية، وحتى إذا اقتصر اجتماع مجلس الوزراء الجديد على الوزراء الاتحاديين دون غيرهم، فإن عددهم أيضاً كبير، ولذلك لابد من التركيز على القطاعات الوزارية.. القطاع الاقتصادي.. القطاع الخدمي.. القطاع السيادي...الخ لقد زاد عدد الوزارات زيادة كبيرة، وأن عدة وزارات من الوزارات التي أعلنت كانت تستوعبها وزارة واحدة راسخة، ولا ندري هل أملت هذا التقسيم والتفتيت ضرورات عملية وموضوعية، أم أن الذي أملى هذه التقسيمات هو الترضيات واستيعاب أكبر عدد ممكن من المستوزرين.. وأن الحكومة المعلنة مكونة من حزبين رئيسيين هما حزب المؤتمر الوطني وله نصيب الأسد، وحزب الحركة الشعبية، وبالنسبة للقوى السياسية الشمالية تعذر على القائمين بالأمر اقناع الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل بالدخول في مجلس الوزراء، ومشاركتهم في السلطة، ولكن أدرك قادة الحزب بأن مشاركتهم ورضاءهم بالفتات الوزاري، سيؤدي لحدوث انقسام حاد، وخلاف عاصف بينهم، ولذلك آثروا الابتعاد والنجاة من الشرك، وقد أشرك في مجلس الوزراء حزب الأمة الفدرالي الذي تسنده هيئة برلمانية مكونة من ثلاثة نواب، وأشرك الحزب الاتحادي الديمقراطي المسجل بوزير اتحادي ووزير دولة، والحزب تسنده هيئة برلمانية مكونة من نائبين هما الوزيران، ومنح أنصار السنة بغرض ترضيتهم وكسب ودهم منصب وزير دولة بوزارة الآثار والسياحة والحياة البرية، وهي مشاركة هامشية رمزية في الجهاز التنفيذي. ورغم أن شغل الوزارات الاتحادية ينبغي أن يتم على أساس قومي بلا محاصصة جهوية أو ولائية، إلا إن صدور الجميع قد أثلجها الإشراك الفعَّال والتمثيل المعتبر، الذي وجدته دارفور الكبرى في ظل ظروفها الاستثنائية الماثلة في مجلس الوزراء، إذ عُين منها عدد معتبر من الوزراء الاتحاديين، ووزراء الدولة مع مراعاة التوازن الأثني الدارفوري، ومن الوزارات المهمة التي عهدت لهم وزارة المالية والاقتصاد الوطني، ووزارة العدل، ونأمل أن يساهموا جادين في إعادة النازحين واللاجئين لقراهم، وإعادة بناء البنيات التحتية والخدمات، وتوفير العيش الكريم للعائدين لقراهم، والاهتمام بالخدمات والتنمية المحلية، وهذا لا يتم إلا ببسط الأمن، وإذا حلت القضايا فإن حمل البندقية يغدو مرفوضاً من الجميع، ولكن المؤسف أن حمل السلاح لم يعد في بعض الأحيان من أجل إنسان دارفور وقضاياه، ولكنه أضحى من أجل المواقع والمناصب، ولتحقيق أجندة الآخرين في الداخل والخارج. والحكومة الجديدة موعودة بتحديات عويصة منها الاستفتاء، وتقرير المصير في الجنوب، وعليها وضع حل نهائي لمشكلة دارفور، وعليها النزول من أبراجها العاجية العالية، والاهتمام بهموم وقضايا المواطن العادي، جمل الشيل الذي تحمل فوق طاقته.