ما يزال صدى إعلان التشكيل الوزاري الجديد يثير جدلاً بين أوساط قطاعات الرأي العام المختلفة، فالبعض يتساءل لماذا أتى التشكيل الجديد بعدد كبير من الوزراء في الوقت الذي يدعو فيه البرنامج المعد للمرحلة القادمة، لسياسة التقشف وتخفيض الإنفاق الحكومي، وفي الجانب الآخر تشير مبررات أن الحقيبة الجديدة روعي فيها توازنات خاصة بصرف النظر عن عددية التوزير.. فالوزراء الذين تم اختيارهم أتوا بعد مراجعة دقيقة من القيادة المنتخبة، وهدفت من وراء ذلك إنفاذ برامج الدولة في أخطر مرحلة تاريخية يجتازها الوطن حالياً، حيث يتوقف على ذلك الأداء عبور الوطن الى آفاق النهضة والتقدم والاستقرار السياسي الذي يمكِّن البلاد من بناء اقتصادي قوي ومؤسس مصحوباً بارتفاع حجم الإنتاجية ومعدلات أعلى في مجال الاستثمار.. الأمر الذي يؤدي الى تنمية الثروة قبل التفكير في اقتسامها وتوزيعها عبر المشاكسات والمشاحنات، وتمخض من جراء المشاكسات والمشاحنات الخروج عن سلطة الدولة وعدم الالتزام بسقوفات وحدود السيادة الوطنية، ورجوعاً لطبيعة التقسيم الوزاري الحالي يلاحظ أن هناك توصيفاً وترسيماً لمهام بعض الوزارات، يتعلق بتجويد ملفات القضايا العالقة وكيفية معالجة هذه القضايا والمشكلات والموضوعات التي تتضمنها هذه الملفات، إضافة الى التركيز على لب وجوهرية القضايا، الأمر الذي يمكن الوصول عبر التفاوض والحوار، الى رؤى وحلول ومعالجات لأمهات القضايا كقضية دارفور والجدل المثار حول انفصال الجنوب بعد الانتهاء من عملية الإستفتاء. ولنا هنا أن نأخذ مثالين في وزارتين استحدثتا وظهرتا في التشكيل الوزاري الجديد، الأولى هي وزارة تنمية الموارد البشرية التي قصد منها الإهتمام بقطاع الشباب الذي يمثل 47% من حجم السكان الكلي.. لإعداده وتدريبه وتأهيله لتحمل مسؤولية بناء الدولة وإرساء المعالم الرئيسية للتنمية المستدامة. ولا ننسَى أن الوطن يزخر بالموارد الطبيعية المتنوعة والثروات النفطية والمائية والمعدنية التي تتطلب في تنميتها واستغلالها، توفير السواعد والعقول القادرة على التعاطي مع متطلبات النماء والتطور في ظل ما وصلت اليه دول العالم لأحدث الوسائل التكنولوجية، لذا فإن موضوع بناء القدرات يمثل الركيزة الرئيسية للتطور والانتقال الى آفاق أرحب، والدليل هنا أن الدولة في تنفيذها لخطط واستراتيجيات التنمية الشاملة والمستدامة، استعانت بأعداد كبيرة من الكوادر والعمالة الفنية الأجنبية عندما تفجر البترول وأصبح سلعة استثمارية، في حين أنه عند الحاجة للكوادر المؤهلة لمقابلة احتياجات التنمية، لم نجد إلا جيوشاً جرارة غير مواكبة لسوق العمل والاحتياجات المطلوبة لتنفيذ الخطط الطموحة. في الجانب الآخر نجد مثالاً آخر هو استحداث وزارة للكهرباء والسدود، وهي الوزارة المنوط بها زيادة الطاقة الكهربائية والمائية لإدارة وتفعيل ماكينات وعجلات آليات الصناعة لقطاعات إنتاجية كبرى مثل قطاع السكر والأسمنت، الحديد والصلب، الصناعات الغذائية وصناعة الدواء وغيرها من خطوط الإنتاج الصناعي. كما أن استكمال العمل في تعلية خزان الروصيرص وبناء المزيد من السدود في الستيت وأعالي العطبراوي واستكمال العمل بمشروع جونقلي والمشروعات المائية الأخرى في الولايات الجنوبية، كل هذه المشاريع تحتاج للمزيد من العطاء والجهد المكثف والعقول المؤهلة لبروز الإنجازات للاستفادة منها لإحداث نهضة عمرانية وطفرة اقتصادية واجتماعية. عموماً نقول إنه لمن حسن الطالع أن يتم توزيع هذه المهام الوطنية على الوزراء المختارين الذين أتت بهم القيادة العليا بناء على قدراتهم ومؤهلاتهم، إيماناً من القيادة العليا بأنه قد آن الأوان لينطلق السودان نحو النهضة والتطور، لتمتين جدار الوحدة ليس بين الشمال والجنوب فحسب، ولكن وحدة السودان الوطن الواحد بكل أرجائه المترامية الأطراف.