ما الذي حدث في المجتمع السوداني؟ ما هذه الجرائم الغريبة التي تطالعنا بها الصحف كل صباح ويتناقلها الناس بسرد تفاصيل قد لا ترغب الصحف في الخوض في تفاصيلها حفاظاً على الأسر وتماسكها.. الابن يقتل أحد والديه.. والبنت تقتل أمها.. الزوجة تقتل زوجها.. والزوج يحرق بناته.. والأخ يقتل شقيقه.. والشقيقة تدس السم لشقيقها.. وطفل صغير فى مرحلة الأساس يسدد طعنات قاتلة لزميله.. والبنت وأمها تقتلان بالإتفاق مع عشيق الأم أباهما.. والأب يواقع ابنته.. كما صار الفرد يخشى على صغاره من الخروج للعب مع أقرانه ويخشى عليهم من الذهاب في أي مشوار حتى لا يكونوا عرضة للاختطاف والاغتصاب. مثل هذه الجرائم غريبة على المجتمع ولا تزال، لأنه مجتمع عرف بسيادة سلطان الأسرة وتوقيرها والانصياع لها وعدم الخروج عن إطارها. . كنا نطالع مثل هذه الجرائم في صفحات الجريمة بالصحف الخارجية أو بالاطلاع عليها منقولة من المصادر الخارجية في بعض صحفنا الاجتماعية. هل نحن في حاجة إلى مراجعة موروثاتنا الثقافية التي نجلها ولا نزال نعتقد أنها هي التي أكسبت الشخصية السودانية هذا الاعتداد.. وهل هو اعتداد حقيقي وأصيل لن تهزه عوامل التداخل والتواصل مع المجتمعات الخارجية الأخرى. هل حدثت هزة في المجتمع السوداني أفقدته سمات المجتمع المتماسك المترابط المتكافل، فظهرت مثل هذه الجرائم التي لا يقبلها أي فرد عاش في أسرة مترابطة ومتكافلة ويؤثر أفرادها بعضهم على أنفسهم ويقوم كل فرد فيها مقام الآخر لتظل الأسرة كما كانت المأوى والملاذ لكل أفرادها. هل التناحر والإقتتال والسلب والنهب الذي تفجر في بعض أطراف السودان كان له تأثيره على بقية أنحاء السودان وأحدث عدم التوازن النفسي، وساهم فى عدم الاستقرار الأسري متضافراً مع عوامل اقتصادية وسياسية واجتماعية، فأحدث ظهور مثل هذه الجرائم التي لم يقتصر وقوعها على منطقة واحدة أو جماعة معينة في البلاد . ألا نحتاج الى إعادة نظر في مناهجنا الدراسية واقترابها من تشكيل الفرد وتعزيز سلطة المجتمع، وكذلك وسائل التربية والوسائل المساعدة لها من أجهزة إعلامية ومعلوماتية ومعرفية. دراسة الظاهرة والتعمق فى تناولها والوصول الى جذورها وإشراك أهل الاختصاص في تشخيصها يحد من انتشارها، خاصة وأن عنصراً مهماً يسهم في ذلك، ألا وهو أجهزة منع الجريمة والكشف الفوري عنها، إذ بقدر ما تطورت هذه الجرائم واكتنفها الغموض لبعض الوقت، إلا أن الله سبحانه وتعالى قيّض لهذه البلاد جهازاً مقتدراً في الشرطة السودانية خفف الكثير من صدمات هذه الجرائم، فما أن تقع جريمة من مثل هذه الجرائم إلا وكانت الشرطة تمتليء ثقة أنها ستكشف طلاسمها وتلقي القبض على مرتكبيها، ويحدث ذلك بالفعل وخلال أربع وعشرين ساعة فى بعض الحالات، فالتحية للشرطة السودانية وللإدارة العامة للمباحث والجنايات.. واحترام وتقدير الى اللواء عابدين الطاهر وضباط وجنود إدارته.