* كثيراً ما نتحدث عن انتشار الغناء الهابط وكم من المرات طالبنا فيها بأن يكون هنالك حد لهذه المشكلة والتي شوهت تاريخ الغناء السوداني, ولم يجد لها أهل المغني حلا ولو جزئيا لإيقاف مثل تلك الأغاني, وحاولت وزارة الثقافة الاتحادية والمجلس الأعلى للثقافة والإعلام والسياحة لإقامة عدد من المهرجانات الفنية لإعادة الغناء إلى الاتجاه الصحيح لكن دون فائدة. * ما السبب في انتشار مثل هذه الأغنيات؟ سؤال مهم جدا الإجابة عليه بطريقة علمية عبر الدراسات والبحوث يقود إلى إيجاد حل يجعل من الأغنيات الهابطة صفحة باهتة في دفاتر النسيان, وبدلا من الجدل والنقاش الذي لا ينتهي مع ظهور كل أغنية جديدة, والتي تجد من النقاشات الكثيرة أرض خصبة للانتشار والوصول بسرعة إلى مسامع الناس. * أول الأسباب التي أدت إلى انتشار تلك الأغنيات هو مشكلة التواصل بين الأجيال بعد أن هاجر مجموعة من المطربين الكبار إبان سيطرة الحكومة الحالية على السلطة, فافتقدت الأجيال حلقات التواصل, وهو من الحلقات المهمة في الغناء وفي كل المجالات, لأنها تتيح للشباب من الفنانين التعرف على تجارب من سبقوهم عن قرب وليس بالاستماع فقط بل من خلال النصح والإرشاد. * ذات الفترة أيضا شهدت شيوع الأغاني والأناشيد الجهادية التي كانت الأجهزة الإعلامية (الإذاعة القومية, التلفزيون القومي) تركز عليها وتبثها في اليوم الواحد عشرات المرات وتفرد برامج مشابهة لها مثل (ساحات الفداء), حتى رسخت في عقول الجيل الحالي وأصبحت ثقافة الحرب تسيطر على أفكارهم وكتاباتهم, فخرجت من رحم هذه الثقافة أغنيات على شاكلة (قنبلة, وأضربني بمسدسك). * عامل آخر مهم وهو الجزء الاقتصادي الشاعر الذي ظل يتنقل في المراحل التعليمية لسنوات ثم يتخرج من الجامعة ويجد نفسه في نهاية الأمر شخص عاطل وتلاحقه الألسن في كل الطرقات, لماذا يجتهد في كتابة نص غنائي متميز لن يجد مساحة من الانتشار ولا يجد منه مقابل مادي مجزي, لذا يلجأ لكتابة نصوص ركيكة من أجل المال وهو في ذات الوقت يمتلك نصوص جميلة ومتميزة. * ولا ننسى تأثير القنوات الخارجية أيضا وعوامل أخرى كثيرة ساهمت في انتشار الغناء الهابط فإذا لم ندرس هذه العوامل كلها بعيدا عن محاولة مناقشتها فقط لن نجد الحل المناسب ولن نرتاح من هذه الأغنيات لسنوات أخرى قادمة حتى وإن أقمنا في اليوم الواحد أكثر من مهرجان.