لعل أغلب الحاضرين للمؤتمر التأسيسي لجبهة الدستور الإسلامي الذي انعقد في ظهيرة يوم الثلاثاء 6 ربيع الثاني 1433هجرية بقاعة الشهيد الزبير للمؤتمرات الدولية لاحظوا غياب رئيس الجبهة الشيخ أبوزيد محمد حمزة ولم يكن الرجل موجوداً في المنصة ضمن قادتها الذين حجزوا مقاعدهم باكراً في مقدمة الحضور، بينما تخلف الرجل الأول فيها بعد تلاوة اعتذار عن غياب الشيخ أبوزيد بسبب ظروفه الصحية.. ونقل رسول الشيخ أبوزيد والمستشار القانوني لجماعة أنصار السنة ( شيخ الدين التويم ) تخلف شيخه نتيجة لوعكة صحية ألمت به. لكن فيما يبدو أن المرض وحده لم يكن سبباً كافيا لحبس الشيخ أبوزيد عن تسجيل غياب لأول فعالية جماهيرية معنية بتدشين الإعلان الرسمي لانطلاقة نشاط وعمل الجبهة – المثيرة للجدل- بصورة مفتوحة للرأي العام السوداني وضرورة تعبئته للانحياز والانخراط في مشروع الدستور الاسلامي توطئة لطرحه للجهات المختصة لاعتماد المسودة كأساس لحكم البلاد على هدي الشريعة ... فالشيخ أبوزيد ومنذ بداية الاجتماعات التأسيسية أبدى زهداً في وقوفه على رئاسة الجبهة كما قال ل( الأحداث ) في مقابلة سابقة موضحا أن الأصلح لقيادتها هو الشيخ صادق عبد الله عبد الماجد الذي جاء في منصب الأمين، لكن تقديرات قادة الجبهة وإصرارهم لاختيار الشيخ أبوزيد رئيساً للجبهة جاء لاعتبار أن الرجل شخصية تاريخية ورمزية في ساحة العمل الدعوي، ولعلاقاته الخارجية بدول الخليج العربي مصدر التمويل ومنبع ضخ الدعم المادي للسلفيين بالسودان، ولإعطاء صورة أخرى مغايرة لما انطبع في أذهان الناس عن شدة العداوة بين أنصار السنة والصوفية بإرسال رسائل مفادها أن الشيخ السلفي يجلس على مقعد وبجواره عدد من قادة طبقات التصوف ورموز ( القوم ) وهي رسالة ذات خصوصية في بلد تتناحر فيه الطوائف الصوفية مع جماعات السلفيين. غير أنّ الرياح وفي بعض الأحيان تأتي بما لا تشتهي سفن جبهة الدستور لجهة أن تقديم شيخ أبوزيد رئيساً للجبهة ثم عكس الرجل كرئيس لجماعة أنصار السنة وجد عدم ارتياح من جهة أخرى سلفية أخرى تأثيرها على مجريات المشهد الديني لا يقل عن تأثير الشيخ أبوزيد إن لم يكن يبزه ويزيد عليه من حيث الفاعلية والكسب والعطاء، وهي جماعة المركز العام بالسجانة التي يقف على رئاستها الشيخ الدكتور إسماعيل عثمان؛ التي فهمت الرسالة من وجهة نظرها بأن القائمين على أمر تأسيس الجبهة قصدوا إعطاء صك الشرعية ومنح الشيخ أبوزيد وضعاً قانونياً مريحاً لا يستحقه باعتبار أن ( أبوزيد ) لا يعدو ان أن يكون شخصية خلافية ومحبة للصراع خرج على شرعية الجماعة ولم يلتزم بمقتضى مؤسساتها ولا بروح التنظيم حينما انشق على الجماعة ( الأصل ) مكونا جماعة أخرى موازية تحمل ذات المسمى والأهداف والمقاصد الأمر الذي وضع جماعة المركز العام في خانة أو مربع المتحفظين على قيام جبهة الدستور وبالتالي مقاطعة جلساتها التمهيدية ثم الإعلان التأسيسي لها لاحقا مما أفقد الجبهة سنداً ووزناً وحجماً مهماً في ساحة العمل الدعوي وفقدانها لتأييد ( أنصار السنة المركز العام ) خاصة وان روح الشك والريبة بدت لا تخفى على عين المراقب حينما فسرت جماعة المركز العام أن واجهات الحكومة تريد ان تلعب على تناقضات السلفيين وتستثمر خلافاتهم ذلك لأن أغلب مكونات الجبهة إن لم تكن كلها لها تقف وراء فكرة تأسيس الجبهة. لكن في السياق العام فإن الأوضاع داخل الجبهة حديثة التكوين لم تكن على ما يرام منذ انطلاقة نشاطها السري لحظة ميلادها وحتى خروجها للعلن لمخاطبة الرأي العام السوداني.. فقد ابتعد من ضمن فريقها لاعب بدأ أشواطه الأولية فيها وهو العالم الأزهري (خالد آدم شيخة ) أو قل ابتعد فكلاهما صحيح ومع الإقرار بإقصاء ( الشيخ شيخه ) لكن لا الجبهة تحدثت عن سر ابتعاده ولا هو شرح ظروف وملابسات ذلك الامر .. ولم تلبث إلا قليلا حتى لحق به الامين العام لاتحاد قوى الأمة ( أقم ) الشيخ محمود عبد الجبار، وعدم حماسة هيئة شئون الأنصار للمشروع بطرحه الراهن، ثم تجاوز رئيس حزب الوسط الإسلامي الدكتور يوسف الكودة بجانب الطغيان الظاهر غير الخفي لقيادات منبر السلام العادل وتبنيه لمشروع الجبهة وما يتردد عن دعم رئيسه الطيب مصطفى لخزينة وميزانية الجبهة بمال التسيير وبنود المنصرفات الاخرى، ثم احتضان دار هيئة علماء السودان لاجتماعات الجبهة.. كلها مؤشرات حملت معنى واحدة ان الجبهة وان لم تكن الحكومة مشاركة فيها بشكل رسمي فهي على الأقل ليست بعيدة من التأثير عليها إن لم تكن من صنائعها.. وغالبية من يقفون عليها متبطون بشكل أو بآخر بمكونات وكيانات الحزب الحاكم رغم المجاهرة بالتهديد والتلويح بالضغط على الحكومة حال إعلان رفضها وعدم قبولها للمشروع الاسلامي على الرغم من علم هؤلاء ومن واقع التجربة والممارسة أن السلطة القائمة ليس في نيتها تبني أي مشروع إسلامي للسودان الجديد الذي تمثل نسبة المسلمين فيه أكثر من 97% من جملة ساكنيه – طبقا لحديث الطيب مصطفى – وعوداً على بدء ظهر بما لا يخفى ان طرح شيخ أبوزيد لاستقالته من رئاسة الجبهة بل ومن عضويتها بصورة عامة وعدم حضوره لقيادة نشاطها وإدارة اجتماعاتها عبّر عن أزمة حقيقية لا تعاني منها الجبهة حديثة وحدها، لكنها مرض مزمن وجرثومة تمكنت من التغلغل داخل الجسم الاسلامي حيث سريعا ما تنعكس خلافاتها الداخلية على ساحة وميدان العمل الدعوي وهي ظارهة انتقلت من القوى السياسية للقوى الإسلامية وتمكنت بمفاصل التنظيمات المختلفة. بيد أن للآخرين رؤيتهم ونظرتهم للقضية من وجوه أخرى.. فالناطق الرسمي باسم جبهة الدستور الاسلامي صديق على البشير نفى بشكل قاطع استقالة شيخ أبوزيد وقال ل ( الأحداث ) إن شيخ أبوزيد لم يستقل لكنه اعتذر عن القيادة بسبب ظروفه الصحية، مؤكدا في إفادته أن شيخ أبوزيد ومنذ بداية تكوين الجبهة أصر على الاعتذار لكن الإلحاح عليه من ( قبلنا ) جعله يستمر فيها لكن بدا عمليا أن هناك صعوبة لعدم قدته نظراً لكبر.. سنه ويواصل شيخ صديق على البشير قائلا: ( لاحظنا أن هناك مشقة شديدة حتى في حضوره وحينما يحضر للاجتماعات فإنه يشير لشيخ صادق عبد الله عبد الماجد بإدارة اللقاءات ولا يشارك هو في إدارتها.. وسألت الشيخ صديق البشير عن توصيف دقيق لحالة شيخ أبوزيد وهل هو استقال؟ فرد أن العبارة الأنسب هي ( طلب إعفاء ) وليست استقالة وأن قادة الجبهة وافقت على طلبه. وعموماً سواء استقال الشيخ أبوزيد أو أخرج الأمر على أنه ( طلب إعفاء ) فالأمر سيان لكن السؤال كيف تبدو وضعية جبهة الدستور في ظل ( غياب ) شيخ أبوزيد الشيخ صديق على البشير أكد أن الأمر ليس له أية آثار جانبية على بنية الجبهة ولا على هياكلها التي سيتم إعلانها قريباً.. لكن مصادر من داخل الجبهة أكدت ل ( الأحداث ) ان قيادة الجبهة انتخبت الشيخ صادق عبد الله عبد الماجد رئيساً لها خلفاً لشيخ أبوزيد واختارت البروفيسر ناصر السيد أميناً لها بديلاً للأمين العام السابق شيخ صادق بعد أن تم ترفيعه لموقع الرئيس العام للجبهة. مشهد الجبهة الحالي يعني بالضرورة أن التحديات التي تواجه الجبهة ليست نابعة من خصوم وأعداء من خارجها مثلما كان يحدث من صراع في السابق بين المناصرين للدستور الاسلامي ومعسكر الرافضين له فالتحدي الماثل في راهن الجبهة ظهر في صفوف جبهتها الداخلية.. فهل تستطيع تجاوز عقباتها الداخلية للالتفات لبرنامجها ومشروعها المتمثل في تطبيع وصبغ الحياة السودانية العامة بالدستور الإسلامي، أم تفقد تماسكها الداخلي وتعصف الخلافات بوحدة مكوناتها في المستقبل القريب فتشب النار في دارها؟.