شهود عيان يؤكدون عبور مئات السيارات للعاصمة أنجمينا قادمة من الكاميرون ومتجهة نحو غرب دارفور – فيديو    الغرب "يضغط" على الإمارات واحتمال فرض عقوبات عليها    دورتموند يسقط باريس بهدف فولكروج.. ويؤجل الحسم لحديقة الأمراء    وزارة الخارجية تنعي السفير عثمان درار    العقاد والمسيح والحب    واشنطن: دول في المنطقة تحاول صب الزيت على النار في السودان    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    شاهد بالصور.. المودل والممثلة السودانية الحسناء هديل إسماعيل تشعل مواقع التواصل بإطلالة مثيرة بأزياء قوات العمل الخاص    شاهد بالصورة والفيديو.. نجم "التيك توك" السوداني وأحد مناصري قوات الدعم السريع نادر الهلباوي يخطف الأضواء بمقطع مثير مع حسناء "هندية" فائقة الجمال    شاهد بالفيديو.. الناشط السوداني الشهير "الشكري": (كنت بحب واحدة قريبتنا تشبه لوشي لمن كانت سمحة لكن شميتها وكرهتها بسبب هذا الموقف)    محمد وداعة يكتب: الروس .. فى السودان    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    طبيب مصري يحسم الجدل ويكشف السبب الحقيقي لوفاة الرئيس المخلوع محمد مرسي    "الجنائية الدولية" و"العدل الدولية".. ما الفرق بين المحكمتين؟    الى قيادة الدولة، وزير الخارجية، مندوب السودان الحارث    السودان..اعتقال"آدم إسحق"    فلوران لم يخلق من فسيخ النهضة شربات    رئيس نادي المريخ : وقوفنا خلف القوات المسلحة وقائدها أمر طبيعي وواجب وطني    المنتخب يتدرب وياسر مزمل ينضم للمعسكر    عائشة الماجدي: دارفور عروس السودان    لأول مرة منذ 10 أعوام.. اجتماع لجنة التعاون الاقتصادي بين الإمارات وإيران    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    والي الخرطوم يدشن استئناف البنك الزراعي    دولة إفريقية تصدر "أحدث عملة في العالم"    أول حكم على ترامب في قضية "الممثلة الإباحية"    بعد اتهام أطباء بوفاته.. تقرير طبي يفجر مفاجأة عن مارادونا    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    الحراك الطلابي الأمريكي    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المحتوى السياسي ومدارات الجمال في تجربة أبو بكر الشيخ المسرحية
نشر في الأحداث يوم 28 - 03 - 2012


مفاهيم أولية:
إن المقصد من هذه المقاربة الأولية، هو تحديد الاتجاه الخاص أولاً في هذه الدراسة الباحثة الناقدة والمتعلقة بتتبع مفاصل (محتويات السياسي) المؤطر لخطاب مسرح الشباب السوداني، بتلافيفها الجمالية والتي تكرس إضاءتها الفلسفية في سياقات الحدس المركزي المتسائل وفق مقولات ترنو إلى الجديد والمغاير للواقع وما هو كامن وراءه .
* يتأسس القول النقدي في العرض المسرحي وفى منجز المخرج الشاب (أبو بكر الشيخ) بوصفه النموذج الشاخص لفروض الدراسة.
* كما أن الانتخاب قصدي، تكمن وراءه اعتبارات المقاربة الأولية في اتجاهات الشباب على مستويات (الكتابة والإخراج).
* يعمد الباحث أحيانا وعلى مستويات أقل الجمع بين حوار الثنائية المخرج أبو بكر الشيخ والكاتب (أشرف بشير) باعتبارهما أصحاب مشروع متقارب بحكم انتمائهما معاً إلى جيل واحد (الشباب).
ترتكز الورقة بشكل أساسي في عروض:
1. نريد شعباً.
2. رئيس نزيه جداً.
3. ساعة ونلتزم الصمت.
* كما أن الناقد يشير إلى أن الانتخاب بقصديته هذه إنما أراده على سبيل التمثيل، ولا يقصي مسرحيات أخرى قوية مثل (حكومة في مزاد) للكاتب عبد اللطيف الرشيد ومسرحية (شاويش وثلاثة بنات) للكاتب قصي السماني.
الإطار النظري:
يدفع موضوع البحث، إلى إشارة لازمة، هي أكثر التساؤلات النقدية والفلسفية التي تم طرحها، وظلت تطرح نفسها عند فلاسفة فنون الحداثة وهي:
كيف يمكن للفن أن يكون نقداً سياسياً واجتماعياً وثقافياً دون أن ينزلق عن مدارات قييمه الجمالية؟ وكيف يمكنه الجمع بين المسألتين (الأيديولوجي والجمالي) دون أن يفقد الفن استقلاليته.
بيد أن اغلب الاتجاهات تذهب إلى أنه (إذا اختزلنا الفن إلى نقد العقلنة، وإلى خلع أقنعتها الأيديولوجية والثقافية، فإنه يستحيل إلى مجرد مضمون أيديولوجي أو إلى خطاب أخلاقي ديداكتيكي إذا اختزلناه إلى مفهوم الاستقلالية الاستطيقية فإنه يستحيل إلى مجرد لعب برئ أو إلى متعة خالصة، الشيء الذي يدفعه بضمنية لا قبل بها؛ فالفن مطالب بالجمع بين النقد والمتعة)(1) وفكرة الأيديولوجية نفسها فكرة ليست بسيطة، ذات معني واضح محدد. فهي حسب كريستوفر بطلر* (تستخدم أحياناً في بعض السياقات استخداماً وصفياً محايداً، وفي هذه الحالة تنتفي دلالاتها العقائدية كما يحدث مثلاً في حالة عالم الأنثروبولوجيا عندما يتصدى لوصف نظام ثقافي، موضحاً المعتقدات العلمية والدينية والروابط الأسرية والأنظمة القانونية، وغيرها التي تحكمه، وكيفية تفاعل هذه العناصر(2).
بيد أن المرء يذهب مذهب بيتر فوللر في المسألة ((حين نتحدث عن فصل الأيديولوجية عن الفن نكون قد ابتعدنا بعض الشيء عن لب الموضوع. إن السؤال المهم هو: هل تستطيع أن تفصل الأيديولوجية عن الإنسان ؟))(3)
إلا أن إستراتيجية الدراسة تدخل في دائرة جدل منظورات (الفني والاجتماعي): فالفن هو في الآن نفسه واقعة اجتماعية ونقيض اجتماعي للمجتمع، ومن ثم فهو غير قابل للاختزال إلى المجتمع رغم انخراطه في النقد الاجتماعي والسياسي أو الأيديولوجي.
* (حسب أدورنو) الذي ذهب الي ان الفن ليس اجتماعياً لكونه منتوجاً للتقسيم الاجتماعي لعمل، أو لكونه يحمل مضموناً اجتماعيا فحسب بالأساس لكونه مضاداً أو نقيضاً للمجتمع أو مناقضاً للكائن في واقع الناس ومحسوسات الحياة المعيشة في أطرها السياسية بوصفه تجلي من تجليات الفكر الإنساني في حدود الزمان والمكان.
في معني (المحتوي):
في عالم الألسنيات، هناك مستويان أو مستويات أساسية من اللغة؛ مستوى المحتوى ومستوى التعبير (وهذان المستويان على علاقة افتراضية، ويتعلق مستوى التعبير بمجال الدال (صوت ، صورة، لون) ومستوى المحتوى من الناحية الأخرى يتعلق بمفهوم الفكرة (المدلول) المعبر عنه بالصوت أو الصورة أو اللون). وبكلمات أخرى فإنه يحتوي على حمولاتها الدلالية(4) والتعبير نفسه – المحتوى يكرس دائماً للمجالين الاجتماعي والسيكولوجي، كما أنه يعرف في دراسة النصوص ب(تحليل المحتوى) وفى هذه الحالة يفسر نصاً أو مجموعة من النصوص قبل كل شيء من منظور تصنيفي، كما تذهب إلى تحول تحليل المحتوى إلى تحليل الخطاب.
والقصد الكلي من معنى المحتوى كما في (معجم مصطلحات السيموطيقا) يتعلق بمفهوم الفكرة المعبر عنها بالأصوات والأيقونات البصرية، أو ما يختص بالشحنة المعنوية، وعلى سبيل المثال: فإن الألوان وتوزيعها الفضائي: أخضر وأحمر وأصفر ينتمي إلى عالم التعبير ، ودلالتها: أخضر = سر.
وأحمر = قف ، تنتمي إلى عالم المحتوي.
على ضوء ذلك المفهوم لمعنى المحتوي ينظر إلى محمولات ودوال السياسي كأفكار معبر عنها في أيقونات العرض المسرحي وما يرسله من شحنات معنوية تحفز إلى اتجاهات التغيير عند المخرج أبو بكر الشيخ.
المؤثرات الأولية في شخصية أبو بكر الشيخ:
يعمل الناقد في دراسته وتأملاته الخاصة في المسرح السوداني على التأكيد دائماً، كما أشار بذلك في كتابه (المسرح السوداني .. مقاربات الأنا والآخر) أن هناك إشارات تمثل دالة أساسية نتكئ عليها أولاً (بالقول إن الحركة المسرحية السودانية هي سلسلة من الحلقات المتتابعة المتواترة التي لا تنفصل عراها ولا تتجزأ، مهما تباعدت المسافة بين الحلقة والحلقة التالية بحكم الزمان فهي كل لا يتجزأ عن الجملة الإخراجية، إن صح التعبير)(5) ..... ومن هنا يلتمس المرء معنى الفنان المسرحي الشامل (أبو بكر الشيخ) كنتاج من نتاجات الحركة المسرحية في مسيرتها الكلية الشاملة نحو تحقيق الذات.
ولد أبو بكر الشيخ في الخرطوم ودرس كل المراحل الأولية بها والتحق بعد دراسته الثانوية مباشرة بقسم الدراما في كلية الموسيقى والدراما جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا ونال بكالوريوس الدراما؛ ومن ثم نال درجة الماجستير في الدراما.
تخصص أبو بكر الشيخ أكاديمياً في التمثيل وتفوق في ممارسته باكراً. ونال الجائزة الأولى كأفضل ممثل في مهرجان أيام البقعة المسرحية دورتين متتاليتين.
كما ظل ممارسا للتمثيل إلى حد النجومية في الدراما التلفزيونية في عدد من المسلسلات بالتلفزيون القومي.
برغم القدرة التمثيلية الفائقة التي ظهرت عند أبو بكر الشيخ في المسرح والتلفزيون إلا أنه توجه بذات القدرة إلى الإخراج التلفزيوني والمسرحي على حد سواء...
وما يشير إليه الباحث وبحسابات العمر أنه ووفقاً لشروط الواقع أن ميزة أبو بكر الشيخ تبدو في إصراره على الاستمرارية والتواصل والانجاز بحسبان أن الإخراج مشروعه المركزي الاستراتيجي – مسرح وتلفزيون – حيث بلغ أشواطاً بعيدة في منجزه الإبداعي كما يشير مؤشر إنتاج (حكايات سودانية) في (قناة الشروق) والتي وقف عندها الناقد في دراسة أخرى باسم:
(أسئلة التغيير وإدارة الثقافة في حكايات سودانية) والتي تتسق وتتصل ضمنياً في مشروعه المسرحي موضوع الدراسة.
منذ أن بدأ (أبو بكر) ممسكاً طريقه في الإخراج المسرحي إلى آخر إنتاج مسرحي له ظل متحركاً في اتجاهات أسئلة الشباب الذي يرقب ويرنو إلى التغيير عبر المحمولات وما تحتوي أيقونات عروضه المسرحية ..... منظوراً من دلالات أسماء مسرحياته المنجزة وهي:
1. مسرحية (نريد شعباً) للكاتب أشرف بشير إبراهيم – تم العرض في المسرح القومي السوداني بأمدرمان (2005).
2. مسرحية (حكومة في مزاد) للكاتب عبد اللطيف الرشيد تم العرض في مسرح جامعة النيلين بالخرطوم 2007م.
3. مسرحية (رئيس نزيه جداً) للكاتب أشرف بشير إبراهيم تم العرض في المسرح القومي بأمدرمان في 2008م.
4. مسرحية (ساعة ونلتزم الصمت) للكاتب أشرف بشير إبراهيم تم العرض في مهرجان أيام البقعة المسرحية الدورة الحادية عشر بالمسرح القومي السوداني في مارس 27 مارس 2011م.
5. مسرحية (الصوت) للكاتب قصي السماني تم العرض في التظاهرة الثقافية الشبابية في مسرح قاعة الصداقة الخرطوم في 2011م .
6. مسرحية (شاويش وثلاثة بنات) للكاتب قصي السماني تم العرض في مسرح الثغر بمدينة بورتسودان ولاية البحر الأحمر في 2011م.
تلك العناوين في منجز المخرج أبو بكر الشيخ المسرحي الشاب، وبتعدد كتابها إلا أن الناقد ينظر إليها كسيمياء (رابطة)... أو مثل كلمات واصلة، أو مجموعة من الكلمات التي تربط أجزاء من النص مع بعضها، لتشير أو توضح العلاقة المنطقية وبذلك تمهد الوسيلة وتعطي المفتاح في تحقيق الالتحاق النصي. فلا يجد الناقد مناص من قراءة تلك الأسماء وهي تضمر ذلك المعنى وهي تحقق ذلك (التراص) في تحقيق الترابط المنطقي الذي يفيد وبإشارات بالغة الحساسية في المحتوى السياسي الظاهر في عوالم المخرج أبو بكر الشيخ والشاهد في الأمر أنه جاء مؤكداً مقولة الناقد خالد المبارك في جملته – أن الفكر والفن يسبقان على الدوام يمهدان الطريق وينسقان الهدف – وبناء عليه يدفع (أبو بكر الشيخ) مقولات سابقة لما هو مطروح الآن في المسرح السوداني وأسئلة التغيير ، مقروءة في سياقات الشعوب العربية وثورات الربيع.
إن ما يمكن قوله، أو أن يتساءل المرء، ماذا كان يعني (أبو بكر الشيخ) و(أشرف بشير) بمقولتهما (نريد شعباً) في عام 2005م ... ثم يقول المخرج نفسه في حواريته مع الكاتب عبد اللطيف الرشيد (حكومة في مزاد) وهي كلمات نقابلها على المستوى السياسي في المحيط العربي (الشعب يريد إسقاط النظام) أو (ارحل).... فالفكر والفن يسبقان دائماً، والفنان متقدم ونافذ البصيرة.
فمسرحية مثل (نريد شعباً)هي مقولة أو عرض مسرحي يتجاوز الكائن ويرفض أن يمثل انعكاساً لمصالح فئات أو طبقات اجتماعية كما هو الفن عند بعض المنظرين والفلاسفة، بقدر ما أن العرض قدم الفن بأنه نفي للمجتمع نفسه من حيث نزوعه القمعي – كما ترى فنون الحداثة – إن الفن في حقيقته يمثل القلعة الأخيرة للتطلعات الإنسانية إلى مجتمع مغاير في ما وراء المجتمع الحالي.
والفن تعبير عن أسئلة تبحث عن مصلحة مشروعة للناس وسعادتهم ...
وبهذا المعني يقرأ الناقد عرض مسرحية (نريد شعباً) من حيث إن محتوى العرض قد حوَّل التقابل السالب بين الفن والواقع إلى جدل إيجابي أي إلى دائرة التناظر بإنتاج أحكام مضادة لما هو كائن، وهي علاقة نقد واحتجاج وتمرد على المواضعات والآليات التي تكرس الوضع القائم
(نريد شعباً) مسرحية ذهبت في اتجاهات ترفض حتى البنيات الاجتماعية المتحجرة التي تنظر إلى أن الخروج عن الحاكم فتنة – هكذا بهذا الإطلاق – وهي آلية يمكن أن تستخدمها طبقة اجتماعية للقمع والاستبعاد.
وما اجترحته المسرحية من نقد جذري، بحيث عمل على التنديد والاحتجاج على آليات السلطة لا بالخروج والتظاهر، بل أن تركوا المملكة نفسها (أصبح الصبح ولم يجد الملك شعبه) فطفق الملك يبحث عن شعبه في الآفاق، مما اظهر ذلك جدلية في غاية الوضوح كيف لحاكم بدون رعية، إن العقد الاجتماعي مرهون بتلك المعادلة. إذاً في إخلال طرف من أطراف العقد بأصول التعاقد، فإن رضاء الطرف المظلوم وإذعانه ليس بالوضع الأمثل، فالاحتجاج لابد وأن يكون إلى أقصى مداه ...
تلك هي محمولات (نريد شعباً) احتجاجاً على آليات القمع، وأوجه التسلط، دون الانزواء في دائرة أو مدارات القيم الجمالية للمسرح فحسب والانزلاق منها. وفي مسرحية (رئيس نزيه جداً) للكاتب أشرف بشير والتي وظَّف فيها المخرج (أبو بكر الشيخ) القدرات الأدائية لعدد من الممثلين:
1- محمد شريف علي.
2- الرشيد أحمد عيسى.
3- عبد السلام جلود.
4- محمد عبد الله موسى.
5- قدير مرغني.
6- عبد الله عبد السلام.
7- أحمد المصطفى سنبل.
8- رفعت السر.
إن كلمة (رئيس نزيه جداً) هي واحدة من أكثر الكلمات كفاءة واحتواء للدال السياسي وهي من أكثر المعايير في إنشاء الافتراضات المشتركة على المستوى التصويري بين محتوى العرض والجمهور وهى شيفرة في غاية الدقة المعرفية في واقع الحال .
كما أن الجملة نفسها – رئيس نزيه جداً – تم استخدامها لتقوم بوظيفة الترابط المنطقي في تحليل محتوى خطاب العرض المسرحي، والترابط مصطلح يشير إلى المدى الذي يعتبر فيه الخطاب مضفوراً مع بعضه من مجموعة من الأيقونات البصرية أو السمعية تتلاحم فيما بينها. لتأتي الجملة أو عنوان المسرحية –رئيس نزيه جداً واحد من أهم عناصر تواصل الجمهور، فالتواصل يتألف من رسالة تبدأ من عنوان (مرسل) وتنتهي إلى معنون إليه (متلقٍ) والرسالة تحتاج إلى اتصال بين المعنون والمعنون إليه قد يكون شفهياً أو مادياً وهذا الاتصال يمكن أن يتكون من شيفرة مشتركة تمكن من فهم الرسالة، والرسالة المتلقاة ويجعل لها دلالة.
وبهذا استطاع المخرج ومنذ البدء أن يؤسس ويتحكم في عملية استمرارية الدلالة بمحمولات المحتوى السياسي في خطاب العرض .
كما أن العرض في قصدياته ومن خلال أيقوناته قد استحوذ أهدافا ذات مقولات باحثة عن التغيير من خلال المناقضة للواقع من حيث (رئيس يبحث عن النزاهة في نفسه) والتناقض هنا في كون رئيس يبحث عن أسباب ما يمكن أن تجعله نزيهاً، والمناقضة هنا، ليست الذات المضادة، أي قصة يمكن أن تحتوي على ذاتين أو أكثر يتصارعون على مطلبهم، والذات المضادة هي تلك التي من أجل أن تحقق غايتها يجب أن تعرقل مطلب ذات أخرى .
بيد أن المناقض يحدد نوعاً خاصاً من التعارض (الحاكم والنزاهة متناقضان) في أصل واقع الحياة المعيشة، وهذا ما جعل العرض أن يلعب على مفارقة (كوميدية) في غاية السخرية، وفق سمة لازمة للأداء الذي لا يجد له الناقد وصفاً أوان ذاك – أثناء العرض – غير وصفه ب(التمثيل التفعيلي) وهو مصطلح يشير في مقاصده إلى العملية التي يتم عبرها دخول الممثلين في الخطاب، وهو مثل التفعيل المكاني والتفعيل الزمني وعلى سبيل المثال، كيف أن الممثل محمد عبد الله موسى قد امتلك دوراً موضوعياً (تيمة محدودة) كانت هدفاً لمسعاه فلم يكن مشغولاً بغير ذاته وأشياءه الخاصة، فكانت معرفته بوظيفته امتلك قدرة فاعلية أو وجوداً فعلياً متحققاً به أستطاع أن يوجد نسق لغته الخاصة .
وذات الوصف نجده في أغلب الأداء التمثيلي وفي جملة عرض – رئيس نزيه جداً – التي تشكلت من جدلية الحركة والصوت التي قامت عليها الصور المشهدية بأطرافها المتناقضة في تكوين لم ينزلق عن مسارات القيم الجمالية لفن المسرح منظوراً باتجاهات الحداثة الفنية التي تؤسس المعيار الذي بموجبة تتحدد علاقة الفن بحياة الناس والتي هي علاقة النقد بالأساس؛ فان التصالح مع الأوضاع القائمة ليس له ادني فرصة مع العرض المسرحي عند أبو بكر الشيخ في مسرحية (رئيس نزيه جداً).
المسرح والسلطة والتقنية:
تذهب الحداثة بان الفن قوة من بين قوى الإنتاج ، لكنه يتميز عنها بكونه قوة إنتاج ذات أبعاد جمالية في علاقاتها الجدلية مع الواقع.
ومن هنا، يأتي كذلك جدل الفن والتقنية إذ (يحدد جدل الفن والتقنية إلى حد كبير منظور ادورنو لمدارات الحداثة الفنية في المجتمع الحديث والاستراتيجيات في تفكيك آلياته التي تعمل وفق الهيمنة والتحكم ومجاراتها عوض الانسحاب أمام اكتساحها الساحق لكل مناحي الحياة)(6) وثمة تداخل آخر في منظومات دائرة الجدل نفسه في الثقافة الحديثة إذ تتواشج المعرفة والسلطة، وينسربان معاً في تواطؤ المعرفة والهيمنة، باعتبار أن التقنية هي جوهر المعرفة الحديثة.
وتتحد المعرفة مع السلطة في صيغته الجديدة (التقنية) به تتعاظم آليات التحكم والاستبعاد – حسب أدورنو – خاصة في اتجاهات وسائط الإعلام المتعددة الأغراض فأصبحت التقنية وفق ذلك المنظور أكثر قابلية وتطويعاً للقيام بأدوار السلطة في التحكم والمراقبة والضبط إلى حد أن تلك التقنيات نفسها تصير قابلة للتحكم.
وبناء علية يقرأ الناقد في دراسته للعرض المسرحي (ساعة ونلتزم الصمت) في حوارية كاتب النص (أشرف بشير) مع رؤية العرض عند أبو بكر الشيخ، وهما يؤكدان ثنائية متفردة بعيدة النظر في مساحات الثقافة الحديثة والتقنية في أكثر الأشكال اتحاداً وتواطؤاً مع السلطة – أن التقنية كأداة للتوجيه والتحكم هي نفسها قابلة للتحكم – وبذلك استحالت التقنية في العصر الحديث إلى غاية في ذاتها – بحسب عبد العالي معزوز – أو ما يعرف ب(التعليب التكنولوجي)...
بهذا دخل (أبو بكر الشيخ) و(اشرف بشير) معتركات الجدل (المسرح والتقنية) و(التقنية والسلطة)...
واظهر العرض الفروقات بين الحرية وأوهامها، بين الحقيقة والزيف، بين القوة والطاقات المتقدمة والناكصة.
كما أظهر العرض قدرة التكنولوجيا في (المؤسسة الإعلامية للسلطة) بوصفها أحد أخطر آليات التنميط والخداع الجماعي، كيف يمكن أن تهيمن السلطة على الحقيقة نفسها من خلال طمس التناقضات والصراعات الاجتماعية، وجعل كل شيء متماثلاً إلى الطبيعية والعادية.
(ساعة ونلتزم الصمت) عرض مسرحي، لعبت لعبة التقنية نفسها للكشف عن زيفها كقناع (في أطار المجتمع الحديث كضرب من الأيديولوجية تقتحم كل شيء وتنحسر في كيفية إدراكنا للعالم وفى الوجود الاجتماعي والحياة السياسية والمعيش اليومي بحكم متطلباتها في الإنتاج والتوزيع والاستهلاك، وذلك بكيفية تجعلنا لا ننظر إلى الوجود سوى بمنظار تقني)(7) ... والتقنية ووفقاً لتلك المنظورات أصبحت أداة لا تفتأ تتسع مساحات سلطانها على المجتمع الحديث وبتدخلات شرهة لسلطة الدولة المستبطنة في آليات حركتها، وبهذا تصبح الأيديولوجيا هي السمة المميزة للتقنية ما كشف عنه المخرج أبو بكر الشيخ هو ضرورة منازلة التقنية في دائرتها، واللعب معها بأدواتها وتفجير طاقاتها، والذهاب بها إلى أبعد مدى في خدمة الثقافة ودمجها في القيمة الجمالية في المسرح . دون الإذعان إلى الاتحاد المخل بين التقنية والسلطة في هيمنتها للمعرفة والحقيقة.
الخاتمة:
استناداً على ما سبق، يمكن القول إن المنجز الإبداعي المسرحي للمخرج الشاب أبو بكر الشيخ وفى ثنائيته مع الكاتب الشاب أشرف بشير .
إن المنتج في صورته المسرحية وبكل مكوناته قد تحقق فيه محتوى السياسي المتجلي بمستويات الوعي الفكري دون أي تنازل عن شروط الجمال وحدود القيمة المدركة في المعنى الجميل.
المقاومة، ظلت هي السمة اللازمة للعرض عند أبو بكر الشيخ الذي وجد في كتابات أشرف بشير الذي نهض بكتابات تستهدف استنطاق أسئلة تبحث عن الجديد وترفض القائم والسائد من الأشياء والأوضاع .
وأشرف بشير الكاتب الشاب يستدعي الوقوف، وهو يتفرد بصوته الخاص، وهو يمتح اللغة جمالية تؤثر في متلقيها في صيغ درج عليها وهى غير مألوف الكتابات وعاديتها .
كما أن إنتاج المعنى، أو الرؤية عند أبو بكر الشيخ لم تنحصر في بناء الشكل الجمالي وحسب، وإنما في كلية المعنى المستخلصة من قراءة للنصوص التي ولَّدت المعاني على خشبة المسرح، وهى تختزل كل تلك الأيقونات الدالة على السياسي بمحمولات أسئلة التغيير .الإحالات والهوامش
1. عبد العالي معزوز – جماليات الحداثة أدورنو ومدرسة فرانكفورت – منتدى المعارف – لبنان ص185.
* (كريستوفر بطلر) يعمل أستاذاً بالأدب الانجليزي بجامعة أكسفورد وقد نشر كتاب « التفسير، والتفكيك، والإيديولوجية» ويدور حول مشكلة تفسير النصوص.
2. راجع للتوسع في مفهوم الإيديولوجية في كتاب بيتر بروك، تيري إيجلتون، سو.إلين – التفسير والتفكيك والإيديولوجية ودراسات أخرى – اختيار وتقديم نهاد صليحة – الألف كتاب الثاني – الهيئة المصرية العامة للكتاب ص67.
3. المرجع نفسه ص37.
4. برونوين ماتن، فليزيتاس رينجهام – معجم المصطلحات السيموطيقا – ترجمة عابد خزاندار ص65.
5. فضل الله احمد عبدالله – المسرح السوداني مقاربات الأنا والآخر – إصدارات المسرح القومي السوداني ص125.
6. عبد العالي معزوز – مرجع سابق ص222 – 223.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.