يقع عيد ميلادي في إبريل قريباً من موعد انعقاد يوم التاريخ الوطني الأمريكي في ولاية ميسوري. واليوم مناسبة يتبارى طلاب الولاية دون الجامعة بمشروعات حول موضوع عام يتجدد في كل سنة. وتنال المشروعات التي يقرر المحكمون سبقها الجوائز المعلومة ومن ثم يتأهل أصحابها للمنافسة على النطاق الوطني في جامعة ميريلاند. واليوم هنا كالعيد. تتقاطر أسر المتنافسين وأصدقاؤهم منذ الصباح الباكر للتضامن معهم. وتذكرني المناسبة المتاخمة لعيد ميلادي بمر العمر وبقوة. فقيامي بأمر التحكيم في بعض منافساتها يضعني أمام جيل أمريكي حدث في عتبتهم الأولى للمستقبل. فأنت ترى بالعين المجردة من سيرث عنك مهنتك في يوم تكون فيه في غير هذا المكان. وهو لقاء يتعذر عليك في السودان إذا لم تكن في الحقل الرياضي للناشئين ربما. فالواحد منا لا تتعد تنشئته ذريته خاصة. وهو تضييق للواسع. وربما كان هذا سبب العناية المبالغ فيها لحد التطفل على مستقبل هذه الذرية بما يضطر بعضنا لخفة اليد في الدولة والمجتمع. ربما كان هذا سبب أن صفوتنا لاتكبر وتعيش في صبا نزق أبدي. ظللت أعتني بمر العمر. واقول إذا كبرنا «الله يكبر العقول» ورددت على من عاب عليّ تداخلي مع دولة الإنقاذ بأن سببي هو عنايتي بتقدمي في العمر. فثرنا على الفريق عبود وهو بمنزلة الوالد. وثرنا على الرئيس النميري وهو بمنزلة الأخ الكبير. ولما بلغني نبأ انقلاب الإنقاذ وجدت أن أكبرهم بمثابة الأخ الأصغر وأصغرهم بمثابة الابن. وقلت من أدراني أنهم لم ينقلبوا عليّ أنا هذه المرة. ومعيار العمر كان واحداُ من الاعتبارات التي شكلت مفهومي ل»الأزمة الوطنية». وتجدها في مسرحيتي «السكة الحديد» التي سأل أحد اهل الثوابت رجلاً امتحنته الثورة المهدية بغضب عمن إنهزم. قال: كلنا. السابلة والمقاتلة». كان موضوع يوم التاريخ لهذا العام هو «الثورة، الردة، الإصلاح». وحكّمت ورقتين لبتين في الثالثة عشر من العمر. كتبت واحدة عن كورت فَلَد وهو لا عب بيسبول ثار على استبداد ملاك الأندية، الأرابيب، وحررهم من عقودهم المخلة بإنسانيتهم. وهي ثورة غريبة في منطقة صفوة أجورها عالية. وقد سئل عما يدعوه إلى الثورة وهو ناعم حسن الدخل. قال «العبد الذي تجري عليه المال مدرارا هو عبد في خاتمة المطاف». وقد خسر المعركة ولكن هناك من جاء بعده وأكمل الاصلاح. وسألنا الصبية أسئلة عن موضوعها ردت عليها بتمكن وفصاحة. وقالت إن الذي دفعها لتناول الموضوع هو أنها محبة كبيرة للبيسبول. وكان لقاء البنية الثانية ما حرك راكد العمر فيّ. فقد كتبت عن لنكن، الرئيس السادس عشر لأمريكا ومحرر العبيد المشهور. والصبية مدغلبة ومجضمة وهادئة وواثقة. سألتها سيدة كبارية ما استفادته من الموضوع فقالت إنها لم تكن تعرف أن لنكن كان ضد العبودية في مطلع شبابه كعضو بكونغرس ولاية إلينوي وظل يدعو لإلغائها. وهذا ما جهلته أنا وربما وجدته في مقال صدر أخيراً عن مراسلات له مع كارل ماركس. وسألتها السيدة:»أين سنكون بدون لنكلن». قال:»كنا ننتظر حرباً أهلية ما نزال». ويبدو أن السيدة بلغت حالة أمومة فكرية فارقة. فاثنت عليها صغيرة هكذا وتعالج أمهات الأمور. وقالت لها:»إن عيني لتشرق بالدمع يا بنتي بسببك». هذه الشيخوخة الوطنية الحانية ما تعفي صفوتنا منه. هذه هي الدموع التي لا نذرفها شغفاً بملكات من سيرثوننا مهنة ووطناً ومستقبلاً. فكثيراً ما تسمع أننا نحتاج أن نكون ديمقراطيين مثل أمريكا أو ذوقانيين مثلها أو . . . أو. ولكنك لا تسمع أنا نريد شيخوخة مثل شيوخهم يسهرون على الجيل الجديد ويأخذون بيده إلى المستقبل الذي لن يروه.