أطلقت منظمات الأممالمتحدة مجددًا تحذيرات عاجلة بشأن تدهور الوضع الإنساني في عامة مناطق السودان، داعية للتدخل الفوري لإنقاذ ملايين السودانيين في مناطق النزاع التي بدأت في التوسع لتشمل ولايات جديدة غربي البلاد. وقالت بعثة الأممالمتحدة الدولية لتقصي الحقائق في السودان، في أحدث تقرير لها صدر مساء أمس الثلاثاء، إن تصاعد حدة الحرب الأهلية، أدى إلى عواقب مميتة لعدد لا يحُصى من المدنيين العالقين في النزاع. ودعت المجتمع الدولي لتنفيذ حظر على الأسلحة وضمان مساءلة المسؤولين عن الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان. وسلط التقرير الضوء على القيود البيروقراطية الشديدة التي تفرضها سلطة الأمر الواقع ببورتسودان، بمنع وصول المساعدات الإنسانية بالكامل، واستمرارها في استخدام الإغاثة الإنسانية ك"سلاح" للتجويع المتعمد للمدنيين، وعلى وجه الخصوص ضد ملايين السودانيين في إقليم دارفور غربي السودان، الذي تسيطر عليه قوات الدعم السريع. وكشفت البعثة عن رفض سلطة الأمر الواقع ببورتسودان بقيادة البرهان لعدة طلبات تقدمت بها للسماح لفرقها بدخول السودان لإجراء تحقيقات حول حالة حقوق الإنسان والانتهاكات التي يتعرض لها السودانيون في مناطق النزاع. وفي هذا الصدد، ذكر التقرير أن البعثة بدأت تعاونًا سريًا مع هيئات قضائية معنية بهذا الخصوص، كما أجرت لقاءات مع السودانيين في دول أوغندا وتشاد وكينيا، بالإضافة إلى اتصالات رفيعة المستوى مع مسؤولي الاتحاد الأفريقي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا. وأفادت مصادر سودانية ممثلة للمجتمع المدني، شاركت في اللقاءات التي عقدتها البعثة الدولية في العاصمة الكينية نيروبي، واستمرت لثلاثة أيام، بأنه جرت نقاشات موسعة حول الوضع الإنساني المتأزم في السودان، خاصة تقاضي المجتمع الدولي عن الجرائم الفظيعة التي ارتكبتها سلطة الأمر الواقع ببورتسودان والكتائب الإسلامية الحليفة لها تجاه المدنيين في المعارك التي دارت في مناطق الجزيرة والخرطوم وكردفان. وقالت المصادر ذاتها، ل"إرم نيوز"، إن المشاركين من مختلف الهيئات الحقوقية والنشطاء ومنظمات المجتمع المدني، تقدموا بتقارير موثقة عن تلك الانتهاكات، وتورط الجيش والكتائب المتطرفة المتحالفة معه في أعمال تصفية وإعدامات ميدانية لمئات المدنيين، بمزاعم التخابر مع "قوات الدعم السريع"، وهي اتهامات لا أساس لها من الصحة. وأضافت أن رئيس البعثة، محمد شاندي، ترأس الجلسات التي انعقدت في نيروبي، واستمع باهتمام شديد لكل المداخلات والنقاشات من قبل مئات المشاركين، الذين تحدثوا بشفافية عن الوضع الإنساني، وأهمية المساءلة القانونية، ومحاسبة الأفراد والجهات المسؤولة عن تدهور الأوضاع الإنسانية، وعلى رأس هذه القائمة القادة العسكريون في بورتسودان. وتعهد شاندي وأعضاء البعثة الدولية لتقصي الحقائق، بعكس هذه التقارير وما تم الحصول عليه من معلومات موثقة عن الوضع في السودان، أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف. وعكست الإحاطة التي نشرتها البعثة لاحقاً، حجم المعاناة الإنسانية المتفاقمة التي تسببت في مقتل آلاف السودانيين، ونزوح أكثر من 13 مليون سوداني داخلياً وخارجياً. ووثق التقرير الأممي أعمال عنف انتقامية واسعة النطاق، في المناطق التي استعادتها مليشيا البرهان في كل من الخرطوم والجزيرة وسنار، إذ تعرض الأفراد بمن فيهم مدافعون عن حقوق الإنسان وعاملون في المجال الطبي وموظفو الإغاثة، للاعتقال التعسفي والتعذيب، وفي بعض الحالات "الإعدام". وخلص تقرير البعثة الدولية لتقصي الحقائق، إلى أن ما بدا كأزمة سياسية وأمنية، أصبح الآن حالة طوارئ خطيرة على مستوى حقوق الإنسان، وأن المدنيين لا يزالون يتحملون العبء الأكبر من تصاعد العنف والاشتباكات. وذكر أن هذه الحرب المدمرة تدخل عامها الثالث دون أي مؤشر على قرب انتهائها. وجراء توقف تدفق سلاسل الإمدادات الغذائية، وصل الوضع الإنساني في دارفور إلى مرحلة خطيرة، حيث انعدام أدنى الاحتياجات المعيشية والارتفاع الجنوني في أسعار السلع الأساسية، وفق مصادر محلية. وقالت المنسقية العامة لمعسكرات النازحين واللاجئين بإقليم دارفور، إن آلاف المدنيين الذين نزحوا من مدينة الفاشر ومعسكرات النازحين إلى مناطق بشمال الولاية في حاجة ماسة إلى المساعدة في الغذاء ومياه الشرب. وجددت اتهاماتها للمليشيات المتحالفة مع البرهان، بمنع المدنيين من مغادرة تلك المناطق لاستخدامهم دروعاً بشرية في المعارك التي تدور ضد قوات الدعم السريع. وحذرت المنسقية، في بيان اليوم الأربعاء، من كارثة إنسانية وشيكة في إقليم دارفور، الذي وصفته بأنه ممزق بالكامل، ويكاد يخرج عن السيطرة. وجاء في البيان أن الأزمة تفوق طاقة الوكالات الإنسانية والسلطات المحلية والمجتمعات المضيفة. وبحسب أحدث تقارير لوكالات الإغاثة العاملة في مناطق دارفور، خلال الثلاثة أشهر الماضية، فإن أكثر من 70% من سكان الفاشر بحاجة للمساعدات الإنسانية العاجلة، بعدما سجلت الأوضاع المزيد من الوفيات وسط المدنيين بسبب انتشار الجوع ونقص الدواء ومياه الشرب.