كانت المداخن الخارجة من محطة توليد الكهرباء داخل محطة المعالجة الرئيسية في مدينة هجليج حتى إن القادم إلى المدينة عبر الطائرة عندما ينظر للمدينة أسفلها يرى هذه المداخن والتي هي بمثابة القلب الذي يضخ الدم في شرايين الحقول ومحطة المعالجة وفق لإفادة مراقب محطة المعالجة أمس في هجليج الباشمهندس عبد العظيم حسن لعدد من مراسلي وكالات أنباء ومحطات فضائية.. وهو ورفقاؤه يتجولون في المركز في محاولة لإعادة الحياة لها فقال “الذي قام بهذا التدمير وهو شخص محترف يعرف أن محطة الكهرباء هذه من دونها الحقول لا تعمل حتى الطلمبات الموجودة في أعماق الآبار تمدها هذه المحطة بالكهرباء، كما أن مركز المعالجة هذا يعتمد عليها اعتمادا كليا ودون كهرباء لا تعمل". لكن الصورة بدت مختلفة الآن بعد أن اعتدت قوات الحركة الشعبية على المدينة وبقيت فيها لمدة عشرة أيام، والآن اكتست هذه المداخن باللون الأسود ليس بسبب الدخان المنبعث منها، ولكن من جراء الحريق الذي سببه الانفجار الذي دمر كل المولدات الثمانية، وأسكت قلب المحطة. ولم يقف الدمار عند محطة الكهرباء، ولكنه امتد لمحطة التحكم المسيطرة على مركز المعالجة والحقول. أمام الصهاريج الضخمة التي هي رمز مدينة هجليج فإن أحدها احترق وآخر أصيب إصابات متعددة، ولكنها لم تجعل النفط يتدفق من الصهريج. أما بداية خط الأنابيب الناقل للنفط فإن التدمير جعل النفط يتدفق في المكان وينتشر على الأرض.. ويبدو أن معالجة حدثت لربط الانبوب بعد أن شطره الانفجار، ولكن الربط لم يمنع النفط يتدفق. وفي ظل هذا الدمار يكابد عدد من شباب المهندسين السودانيين لمعالجة الأمر وهم يبيتون في العراء بعدما دمر معسكر سكنهم فإن الحرب توقف هدير الماكينات وتطلق المعاناة للبشر. أما الحصاد الذي حصدته حكومة الجنوب من فقدان جنودها داخل منطقة هجليج فإن الجثث المتناثرة على الطريق وصارت رائحتها تملأ فضاء المدينة على جنبات الطريق.. وهذه الجثث وفقاً لما قاله اللواء كمال عبد المعروف قائد القوات التي استردت هجليج وهو يتحدث في موقع الشهيد الفاضل المتقدم وقريب من الحدود عندما زاره الفريق أول عصمت عبد الرحمن رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات السودانية وقال اللواء عبد المعروف “إن عدد القتلى من العدو حتى هذه اللحظة 1200 شخص". وحكاية اللواء كمال حكاية فهو يقيم في عريشة في وسط معسكر الشهيد الفاضل ومعه مساعدوه والوزير عيسى بشرى ابن المنطقة الذي استنفر أهله. ويمضي الرجل في وصف ما قام به رجاله بقوله “لقد كان استرداد هجليج ملحمة خضنا خمس معارك ودخلنا هجليج عنوة واقتدارا ولم ينسحبوا" والأمر عنده لم يقف عند حد دخوله للمدينة، فقال ستسمعون أخبارا تسركم وسنصوتها لها جوه صواته" أما رئيس هيئة الاركان الذي بدأ منتشيا بما قام به جنوده، فبدأ حديثه قائلا والجنود يرفعون بنادقهم أمامه وهتافهم يشق عنان السماء “كل وجه من هذه الوجوه يستحق ان نضعه في أعلى قمة رفعتم رأس السودان واسترددتم كرامة القوات المسلحة ولا تعلمون كم كانت مدى فرحة الشعب السوداني وكل أسرة تفخر بأن لها في هذا المتحرك ابناً. واضاف الفريق عصمت نحن الآن لتوثيق كل دقيقة من عمل هذا المتحرك ونجمعها؛ لأنها تستحق أن تدرس خاصة أن العمليات تمت في وقت قياسي، ويجب أن نستفيد من ذلك نحن في القوات المسلحة وخاصة ان ما قمتم به لا ثمن له في ظل أنهم يتمشدقون بأنهم انسحبوا، ولكن المعارك التي دارت من كيلك الخرسانه وحتى الحدود الدولية تكذب أحاديث. وليس هناك بيت في جنوب السودان الآن ليس لديه قتيل من هؤلاء القتلى، وهم غدروا بنا في الوقت الذي كنا نفاوضهم، ولكن هؤلاء الرجال سيفرضون السلام وما قاموا به من تدمير من منشآت النفط لن يمر مرور الكرام ولا بد أن يذوقوا طعم ما أقدموا عليه". البشير في هجليج على الرغم من أن خبرا لم يتسرب عن وصول الرئيس البشير لمنطقة هجليج أمس، ولكن بعد أن حطت طائرة رئاسية تحمل طاقم حراسة الرئيس تأكد كل من كان في مطار هجليج أمس بأن البشير في طريقه للمدينة، وبعد أن تجاوزت الساعة الثانية عشرة نهارا أطل الرئيس وبرفقته مساعداه نافع علي نافع وعبد الرحمن الصادق، إضافة لوزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين ووزير رئاسة الجمهورية بكري حسن صالح ووزير رئاسة مجلس الوزراء أحمد سعد عمر ووزير النفط عوض أحمد الجاز. ومن المطار انتقل البشير ووفده مباشرة لمعسكر الشهيد الفاضل وبعد دقائق قضاها في عريشة اللواء كمال عبد المعروف قال البشير للجنود “من الآن تفاوض مع الناس ديل مافي وكلامنا معهم بالندقية والذخيرة؛ لأنهم ما بفهموا غير لغة البندقية والرصاص". ومن بعد صوب البشير سهام نقد شديد لحكومة جنوب السودان قائلا “الجنوبيون كان عندهم أمل أن تصبح بلادهم جنة بعد الانفصال ولكنهم أرسلوا أولادهم لأوروبا وأمريكا واستراليا وين أولاد سلفا ووين أولاد باقان ووين أولاد دينق ألور رسلوا أولادهم لاوروبا واستراليا وامريكا ورسلوا أولاد الجنوب ليموتوا هنا ونحن حأندبهم وأنتم أدبتم أدبا تماما وشبعتوا الطير والحدية منهم". ومضى قائلا نريد أن يكون درس هجليج درسا نهائيا لهم عشان نخرجهم في خاتمته بدكتوراه في الجبن والخيانة والعمالة. والآن هؤلاء الناس جروا حتى أنهم عبروا البحر وتجاوزوا بانتيو ومتجهين نحو اللير. ومن بعد أن أشار وزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين عن تبرع الرئيس بمبلغ مليار جنيه للذين شاركوا في متحرك هجليج. ومن الشهيد الفاضل تجول الرئيس وسط الدمار الذي حاق بمحطة المعالجة الرئيسة، وهو يتلقى شرحا من مدير العمليات في شركة النيل الكبرى ووكيل وزارة الطاقة عوض عبد الفاتح ووزير النفط عوض احمد الجاز. لينهي الرئيس ببزته العسكرية زيارة هجليج بعد ثلاثة أيام من سيطرة القوات المسلحة عليها وإخراج قوات حكومة الجنوب والدفع بها خلف حدود الأول من يناير 1956 من خلف غبار هجليج المتجول في مدينة هجليج التي اكتست بلون الكاكي في مختلف درجاته يلحظ أن الذين يحملون السلاح وموجودون في المواقع القتالية ويتحركون في المتحركات شباب غض لكنهم ممتلئون حماسا، وكل واحد فيهم تلحظ التحدي في عينيه وعندما يتحدث اليك تحس كأنما الأمر كان بالنسبة له شأن شخصي قبل أن يكون عمر رجلا عسكريا محترفا يقوم بحرفته التي هي القتال مقار الشركات المختلفة حاق بها تدميرا كبيرا لمعداتها وأثاثاتها بل إن بعض الأثاث لم يستطع جنود الجنوب حمله فتركوه على قارعة الطريق كما أن أجهزة الكمبيوتر المحطمة تناثرت على طول الطريق الرئيسي في المدينة حتى على مقربة من حدود الجنوب مع السودان. سوق المدينة تحول لأكوام رماد فكل المحلات احترقت ولم يبق منها شيئاً. سيارات الهلال الأحمر دخلت أمس للمدينة لبدء اجراءات دفن الجثث المتناثرة على جنبات الشارع الرئيس للمنطقة.